الأربعاء، 26 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 26- الخروج من مصيبة أحد-7


قصة قزمان وقتاله في غزوة أحد


على العكس من قصة الأصيرم كانت قصة قزمان، كان قزمان في غزوة أحد قد قتل ثلاثة من حملة راية المشركين الواحد تلو الآخر، ثم قاتل بعد ذلك قتالاً شديداً حتى إن بعض الروايات تقول: إنه قتل سبعة أو ثمانية من المشركين، وفي آخر الموقعة وجدوه قد أثبتته الجراحات، فأخذه المسلمون وبشروه، قالوا: هنيئاً لك الجنة، فقال: والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي -أي: لا علاقة لي بالإسلام، لم أقاتل إلا قومية فقط- قال: إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت، ثم اشتدت به الجراح فنحر نفسه.


وكان إذا ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه من أهل النار)، فهذا الرجل قاتل في سبيل الوطنية والقومية وليس في سبيل الله، فضاع منه كل شيء مع أنه أبلى بلاءً حسناً في الموقعة، وأدى أفضل من كثير في الموقعة؛ لكنه قاتل من أجل الدنيا فما له في الآخرة من نصيب.


روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: الرجل يقاتل للمغنم -يريد الغنيمة- والرجل يقاتل للذكر -لكي يقول عنه الناس: شجاع وجريء وقوي- والرجل يقاتل ليرى مكانه -أي: مكانه في قبيلته- فمن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).


وروى الترمذي وأبو داود، وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، فالناس رجلان: مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب).

إذاً: هذه حكم كثيرة موجودة في مصيبة أُحد، في داخل المصيبة جعل الله عز وجل خيراً، وقد تكلمنا على أكثر من حكمة لحدوث المصائب على الأمة الإسلامية، وليس معنى ذلك أننا نبحث عن المصائب، لكن لنعلم أن المصيبة ليست شراً محضاً، بل في باطنها خير كثير قد نرى هذا الخير وقد لا نراه، فالخير موجود، والله سبحانه وتعالى قد لا يأذن بها إلا لأن فيها خيراً للمؤمنين، قال سبحانه وتعالى في كتابه: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:166].



طرق علاج الهزيمة النفسية 
التي لحقت المسلمين في غزوة أحد


ما قصة الناس الذين لم يموتوا في غزوة أحد، وما قصة الناس الذين انكسروا انكساراً شديداً؟ وما قصة الناس الذين فروا من الزحف؟ وما قصة الناس الذين ما استطاعوا أن يدافعوا عن الإسلام والمسلمين؟ وما مقدار الهزيمة النفسية التي كانوا فيها؟ وما مقدار الانكسار الذي وصلوا إليه؟ وكيف كانت الحالة النفسية المتردية التي وصل إليها أولئك الفارون عندما وصلوا إلى المدينة المنورة، ورجع إليهم صلى الله عليه وسلم بجراحه وآلامه ومصابه وسبعين من الشهداء؟ إن هذا الأمر صعب جداً على النفس.


إن هذه الكارثة النفسية كادت تودي بهؤلاء جميعاً وتذهب بهم، لولا أن نزل المنهج الرباني لعلاج هذه الهزيمة النفسية، ولإخراج المسلمين من الانكسار النفسي الذي يعقب المصائب والأزمات الشديدة، تعالوا لنعرف كيف يخرجنا الله من أزماتنا النفسية/ ويأخذ بأيدينا ويدخلنا الجنة بعد أن عصينا وأذنبنا وأخطأنا، بل وبعد أن ارتكبنا الكبائر، فالفرار من الزحف كبيرة من الكبائر؟ نحن في حاجة إلى أن نراجع سورة آل عمران؛ حتى نفهم قصة أحد، وسأمر بإيجاز على النقاط.


رفع الروح المعنوية للمسلم
بلفت النظر إلى الجوانب الإيجابية فيه


النقطة الأولى: رفع الروح المعنوية للمسلم بلفت النظر إلى الجوانب الإيجابية فيه.
فكل واحد منا فيه جوانب إيجابية وجوانب سلبية، وفي وقت الهزيمة والنكسة وحدوث المصيبة تغلب على الإنسان بعض جوانبه السلبية من فشل وضعف، إن بعض جوانب الضعف موجودة في كل الناس، ففي هذه الأزمة لابد أن تقول له: أنت وعندك جوانب ضعف عندك جوانب قوة، قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]

سبحان الله! بعد كل الكوارث التي حدثت في أحد، وبعد كل المخالفات الشرعية التي تمت على أيدي بعض الصحابة، يقول لهم رب العزة سبحانه وتعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].

فالقرآن يلفت النظر إلى جوانب القوة في الإنسان، يأخذ بيده لكي لا يقع، ولكي يقوم بعد هذه المصيبة في لحظات علو الكافر على المؤمن، ففي مرحلة من مراحل الزمن لابد من لفت نظر المؤمن إلى أنه كما أن فيه ضعفاً أدى إلى علو الكافر، فإنه يملك جوانب إيجابية تسمح له بالقيام من جديد: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]،

فعندما ترى دولة غير مسلمة تعلو دول المسلمين فلا يهولنك ولا يحبطنك ذلك، بل انظر إلى ما في يديك من إمكانيات، فإمكانيات الأمة ضخمة، إمكانيات إستراتيجية، وإمكانيات اقتصادية، وإمكانيات مالية، وإمكانيات بشرية وإمكانيات كثيرة، بل عندك أشياء كثيرة أكثر من التي فقدتها، وأهم شيء تملكه ولم تفقده هو الإيمان بالله عز وجل، والإيمان برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والإيمان بكتبه ورسله واليوم الآخر.


هذه القيمة العليا هي التي ترفع المسلم فوق أي إنسان في الأرض: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، فهذه هي التي تجعلنا أعلم من غيرنا حتى في حال ضعفنا ومصائبنا وأزماتنا، ليس معنى هذا ألا يعمل المسلمون ويجتهدوا، ولكن معناه أن يعلموا أن أعظم مقومات قيامهم على الإطلاق: الإيمان، ولو ملكوه على حقيقته فإنهم الأعلى حقاً، وستكون لهم الدولة حتماً كما ذكر رب العالمين سبحانه وتعالى.
إذاً: هذه النقطة الأولى في المنهج الإيجابي لعلاج المنهزم نفسياً.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق