الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 24- الطريق إلى أحد-3


بعض ملامح غزوة بني قينقاع



أخذ القرار بإجلاء اليهود 
بعد الاطمئنان إلى قوة الدولة الإسلامية


ظهر لنا في قصة بني قينقاع بعض الملامح.

أولاً: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن يقف هذه الوقفة الجادة القوية مع اليهود إلا بعد أن اطمأن على قوة الجيش والاقتصاد والدولة الإسلامية، بحيث إن السوق الإسلامي أصبح قوياً وموجوداً وله حضور في المدينة المنورة، وتعلمون أن كل التجارة كانت في سوق بني قينقاع، فإذا كانت التجارة معتمدة اعتماداً كاملاً على بني قينقاع، وبعد ذلك خرجوا إلى الشام، فكيف سيكون الحال داخل المدينة المنورة؟ لذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أمن نفسه من هذا الأمر من أول يوم نزل فيه المدينة المنورة، وعمل السوق الإسلامي، وصار الماء ملكاً للمسلمين بعد أن كان ملكاً لليهود، وقد تكلمنا على بئر رومة قبل ذلك في الدروس الماضية من العهد المدني.


إن الجيش المسلم جيش معتمد على أفراده تماماً لا يعتمد على معونات خارجة عن المدينة المنورة، بل يعتمد على المهاجرين والأنصار، ليس مثل عبد الله بن أبي الذي يعتمد على اليهود في حمايته، وهذا الوضع شجع الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يأخذ قرار الحرب بسهولة.



الرد السريع على بني قينقاع
وعدم التساهل فيما فعلوه مع المرأة المسلمة


الملمح الثاني مهم لنقف عليه في غزوة بني قينقاع: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ير التساهل مطلقاً مع اليهود بعد هذا الموقف الذي فعلوه مع المرأة المسلمة ومع الرجل المسلم الذي قتل؛ لأن فعلهم كان مخالفة صريحة للمعاهدة التي بينه وبينهم، ولو سكت صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود للمعاهدة مرة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك -لزاد اليهود من تطاولهم، وبالتالي يبدءون الدخول في مرحلة ثانية من الاستهزاء بالدولة الإسلامية وبكرامتها، وعندما يكون هناك تساهل بالأمر الجديد سيعملون أشياء أخرى أكثر وأكثر، وحدود اليهود ليست لها نهاية.


ورأينا هذا الفعل من اليهود سواء في السابق أو في اللاحق، وسنظل نراه من اليهود إلى يوم القيامة؛ لأن هذه طبيعة من طبائع اليهود.

ففي العصر الحديث خالف اليهود القوانين الإسلامية، وبدءوا بالهجرة إلى فلسطين وكانت الهجرة إلى فلسطين ممنوعة عليهم، وسكت المسلمون، وبعد ذلك تملك اليهود الاقتصاد الفلسطيني في داخل فلسطين بكاملها، كذلك المسلمون لم يحركوا ساكناً، واستقدم اليهود السلاح الخفيف في داخل فلسطين، كذلك سكت المسلمون عن ذلك، واستقدم اليهود السلاح الثقيل في داخل فلسطين، وكذلك سكت المسلمون عن ذلك، ثم جاء قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين اليهود والمسلمين، وكذلك السكوت هو السائد، فقامت إسرائيل سنة (1948) ثم قامت حرب سنة (1956)، ثم قامت الحرب سنة (1967)، ثم أشعلت حرب سنة (1982) ضد لبنان وهكذا كلما نسكت يأخذ اليهود منطقة أكبر، كنا نطالب بالعودة إلى حدود التقسيم، وبعد ذلك نطالب بالعودة إلى حدود (1967)، وبعد ذلك نطالب بالعودة إلى حدود الانتفاضة، والآن اليهود يعملون الجدار، وسنطالب بالعودة إلى حدود الجدار، وهكذا تساهل وراء تساهل وراء تساهل، حتى أدي للذي نراه الآن.


لذلك تجنب الرسول عليه الصلاة والسلام كل هذه المأساة، وأخذ قراراً حاسماً وسريعاً بحصار بني قينقاع، وعقابهم بالطريقة التي شرعت في المعاهدة التي بينه وبينهم قبل ذلك بسنتين.
إذاً: هذا هو الوضع الحاسم الذي علمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم.



قوة العلاقة بين اليهود والمنافقين


الملمح الثالث من ملامح غزوة بني قينقاع: قوة العلاقة بين اليهود وبين المنافقين من المسلمين، المنافقون أسماؤهم إسلامية وصفاتهم إسلامية وشكلهم إسلامي، لكن يتعاملون مع اليهود بمنتهى الحمية والقوة؛ لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، واستغل اليهود هذه العلاقة في أيام الرسول صلى عليه الصلاة والسلام، واستغلوها بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى زماننا الآن وإلى يوم القيامة، فالعلاقة وطيدة وأكيدة بين اليهود والمنافقين،

وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه بتعبير غريب وواضح جداً، قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [الحشر:11] إلى آخر الآيات، فجعل الله عز وجل المنافقين إخواناً للذين كفروا من أهل الكتاب، فهذا الأمر واضح جداً في كتاب رب العالمين سبحانه وتعالى، وواضح من خطوات السيرة النبوية كما ترون.
إذاً: هذا هو موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من بني قينقاع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق