الأربعاء، 26 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 26- الخروج من مصيبة أحد-4


نماذج بطولية من شهداء أحد


كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يستمعون إلى الأحاديث في فضل الشهيد وما أعد الله له في الجنة فتاقت نفوسهم بصدق إلى الشهادة، فهذه بعض نماذج من الشهداء في غزوة أُحد، وبعض الأمثلة الفاضلة لسبعين شهيداً.


حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه


أول شهيد يلفت نظرك: هو حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه؛ فسيد الشهداء هو حمزة رضي الله عنه، أسلم في العام السادس تقريباً من البعثة النبوية، أي: قبل عشر سنوات من غزوة أحد، وسلك طريقاً طويلاً جداً من الكفاح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سواء في فترة مكة أو في فترة المدينة، سواء في داخل الشعب أو في أثناء الهجرة أو بعد إقامة الدولة أو في بدر، فقد رأينا له مواقف مميزة في بدر، وكان المشركون يقولون: من هذا الذي كان معلماً بريشة في صدره؟ قالوا: إنه حمزة فقالوا: هذا الذي فعل بنا الأفاعيل، كان له طريق طويل في الجهاد حتى أكرمه الله سبحانه وتعالى بالشهادة في يوم أحد.

وكان حمزة قبل الإسلام مجرد رجل يحب الصيد والمتعة واللهو، ويسجد لصنم، عاش حياة ليس لها قيمة ولا وزن في حياة الأرض، وبعدما أسلم انتقل من كونه سيداً في قبيلته الصغيرة إلى كونه سيداً لشهداء الأرض أجمعين يوم القيامة، واستشهد في يوم أُحد رضي الله عنه.


مصعب بن عمير رضي الله عنه


كان طريق مصعب بن عمير رضي الله عنه طويلاً جداً، حتى يكون شهيداً، أسلم مبكراً، وخاض جهاداً في سبيل الله في مكة والحبشة والمدينة وبدر وأحد، في محطات كثيرة أبلى بلاءً حسناً، وتعب كثيراً وبذل كثيراً وضحى كثيراً، ثم في النهاية أنعم الله عز وجل عليه أن مات شهيداً في سبيله، وكأنها هدية، وقبل أن يستشهد قطعت يمينه وقطعت شماله ومع ذلك لم تسقط الراية من يده؛ لأنه كان مشتاقاً إلى الشهادة.

وطالباً للموت بصدق، وإن تصدق الله يصدقك: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه).

فاستشهد مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه بعد رحلة كفاح طويلة، مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23]، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فائتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه)، هذا الحديث في مستدرك الحاكم وهو صحيح.

إن شهداء أحد يردون السلام على من سلم عليهم وإلى يوم القيامة، وزيارة شهداء أُحد أصبحت سنة شرعها لنا صلى الله عليه وسلم، وكان دائم الزيارة لشهداء أُحد إلى مماته، وقبل الممات بقليل خرج صلى الله عليه وسلم ليزور شهداء أُحد ويستغفر لهم، فهذه قيمة كبيرة في ميزان شهداء أُحد رضي الله عنهم أجمعين.


سعد بن الربيع رضي الله عنه


ذكرنا قصة المؤاخاة بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وكيف كان يريد أن يدفع نصف ماله ويطلق إحدى زوجاته لـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين، فكان سعد في تضحية وبذل حقيقي، وخاض طريقاً طويلاً حتى دخل موقعة أُحد، وفي يوم أُحد قاتل قتالاً عظيماً، وبعدما انتهت الموقعة وذهب المشركون، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يطمئن على أصحابه فلم يجد سعد بن الربيع، فأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يبحث عن سعد بن ربيع وقال له: (إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ -أي: كيف حالك؟ - قال زيد بن ثابت: فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو في آخر رمق، وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم، فقلت: يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجده؟ فقال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، قل له: يا رسول الله! أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار)،

انتبه! إلى اللحظة الأخيرة من حياته ما زال إيجابياً يحمس الناس على الجهاد في سبيل الله، فمن الممكن أن يقول: لقد خسرت كل شيء وراح عمري، وراحت حياتي وراحت أموالي وتجارتي، لكنه لم يفكر في كل هذا، كل الذي كان يفكر فيه وهو يعالج سكرات الموت أن يوصي الأنصار بقوله: (لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف).

سبحان الله! فأهم قضية عنده الحفاظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وهو في آخر لحظة من لحظات حياته؛ لذلك فإن سعد بن الربيع له قيمة كبيرة في ميزان الإسلام.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق