السبت، 22 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 23- ما بعد بدر-9

أثر غزوة بدر في سيطرة المسلمين العسكرية
على الجزيرة العربية



الأثر التاسع: السيطرة العسكرية الكبيرة للمسلمين على الجزيرة العربية، فقد استطاعوا أن يصلوا إلى مناطق واسعة من الجزيرة العربية، ويتضح هذا جيداً في سرية زيد بن حارثة، هذه السرية لها قصة في منتهى الروعة ونحب أن نقف معها.


لما حصلت السيطرة الكاملة للمدينة المنورة على منطقة شمال مكة المكرمة منطقة الطريق إلى الشام، بدأت قريش تفكر في حل لطريق التجارة إلى الشام؛ لأن التجارة إلى الشام وقفت، وهي عصب حياة أهل مكة.


فاجتمعوا اجتماعاً كبيراً، وكان صفوان بن أمية في هذه السنة هو قائد الحملة التي ستذهب إلى الشام، فقال صفوان بن أمية: إن محمداً وصحبه عوروا علينا متجرنا، ولا ندري كيف نصنع بأصحابي وهم لا يبرحون الساحل؟ وأهل الساحل قد وادعوهم، ودخل عامتهم معهم، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رءوس أموالنا فلم يكن لها من بقاء، وإن حياتنا بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف وإلى اليمن في الشتاء.


فقام الأسود بن عبد المطلب وقال لـ صفوان ولمن معه من المشركين: اترك طريق الساحل وخذ طريق العراق.

ومعلوم أن طريق العراق طريق طويل جداً يخترق نجداً إلى الشام، ويمر بشرق المدينة، لكن على بعد كبير جداً منها، وقريش نفسها لا تعرف هذه الطريق، فهي تحتاج إلى دليل ماهر حتى يعبر بها هذا الطريق الوعر ليصلوا إلى الشام.


ووافقت قريش على هذا الرأي، واختارت لها دليلاً اسمه فرات بن حيان من بني بكر بن وائل، ليوصلهم للشام عن طريق نجد.


وخرجت عير قريش بقيادة صفوان بن أمية، وأخذت الطريق الجديد، ونقلت المخابرات الإسلامية الأخبار إلى المدينة المنورة، وبسرعة جهز الرسول عليه الصلاة والسلام سرية على رأسها زيد بن حارثة رضي الله عنه، قوام هذه السرية مائة راكب، وانطلقوا بسرعة لقطع الطريق على القافلة، فهرب صفوان بن أمية ومن معه من حراس القافلة، وتركوا دليل القافلة فرات بن حيان فأخذه المسلمون أسيراً وأخذوا القافلة بكاملها، فكانت غنيمة كبيرة جداً، كانت تحمل الأواني والفضة للتجارة في الشام، وقدرت قيمة هذه القافلة بمائة ألف دينار، وقسمت على أفراد السرية بعد أن أخذ منها الرسول عليه الصلاة والسلام الخمس.


وبعد ذلك أسلم فرات بن حيان، فكانت ضربة في منتهى القوة لقريش، وكانت مأساة شديدة ونكبة كبيرة أصابت قريشاً بعد بدر، كان هذا في جماد الآخرة سنة 3هـ، أي: بعد حوالي عشرة شهور من غزوة بدر، معنى هذا: أن سيطرة المسلمين على الجزيرة العربية لم تكن عابرة، بل كانت مستمرة.


إن هذا الموقف جعل قريشاً تتحرك لهجوم كاسح شامل على المدينة المنورة، وهذه ستكون مقدمات غزوة أحد، بقي لنا أثر عاشر مهم جداً من آثار غزوة بدر، لكن الوقت لا يتسع للحديث عنه، وهو أثر غزوة بدر على اليهود في داخل المدينة المنورة، خاصة يهود بني قينقاع الذين كانوا يعيشون وسط المدينة المنورة، فماذا عملوا كرد فعل لهذا الأمر؟ ويا ترى! ماذا عمل يهود بني النضير؟ وبنو قريظة ماذا عملوا؟ فعلى ضوء رد فعلهم سيكون تصرف النبي صلى الله عليه وسلم.


هذا أمر يحتاج إلى تفصيل، وسوف نفرد له إن شاء الله حديثاً في الدرس القادم، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا على الخير دائماً، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق