السبت، 15 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 18- اليهود والدولة الإسلامية-1


الدرس الثامن عشر اليهود والدولة الإسلامية



لليهود طبيعة ممقوتة ذكرها الله سبحانه في كتابه، فقد وصفهم الله سبحانه بالغدر والخيانة ونكث العهود، ومع ذلك حاول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التعامل معهم بالحسنى والصبر والحكمة، فقد كانت قوة المسلمين لا تسمح لهم بالمواجهة معهم، فظل المؤمنون يترقبون مرحلة جديدة يعلون فيها دين الله عز وجل وينصرون نبيه صلى الله عليه وسلم، ويزيلون فيها قوة اليهود ويدكون معاقلهم.



كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم
مع اليهود داخل المدينة وخارجها


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

هذا هو الدرس الرابع من دروس السيرة النبوية في العهد المدني.


في الدروس السابقة تحدثنا عن الظروف التي بدأ فيها صلى الله عليه وسلم إنشاء دولته، وتحدثنا عن علاقته مع الطوائف المختلفة التي عاصرت هذا القيام، سواء كانوا مسلمين من أوس وخزرج ومهاجرين وغيرهم، أو كانوا مشركين.


وفي الدرس السابق تحدثنا عن مشركي قريش كفار مكة، وكيف كادوا لأمة الإسلام، وكيف خرج صلى الله عليه وسلم من الأزمة بنجاح، وبتدبير متقن معروف وبخطوات ثابتة، وترك لنا تشريعاً يستطيع المسلمون أن يخرجوا به من كل أزمة مشابهة.


اليوم حديثنا مع أمر في غاية الأهمية والخطورة، وهو موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود الذين كانوا في داخل المدينة، تعلمون أنه في داخل المدينة تعيش ثلاث قبائل كبرى لليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وفي شمال المدينة المنورة ووادي القرى تعيش مجموعة ضخمة أخرى من اليهود متجمعة أساساً في منطقة خيبر، كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع هذه الطوائف والقبائل المختلفة من اليهود؟


طبيعة اليهود وكيفية تعاملهم مع المسلمين


حتى نعرف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود لابد أن نأخذ خلفية عن طبيعة اليهود، وخلفية عن إستراتيجية اليهود في التعامل مع المسلمين، ملخص تعامل اليهود مع المسلمين مذكور في قول الله عز وجل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82]، رأينا في الدرس الماضي المكائد والمؤامرات من قريش الكافرة في حربها ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن حرب اليهود أشد، وعداوة اليهود أشد، ومكر اليهود أشد؛ ولذلك بدأ بهم رب العالمين سبحانه وتعالى في قوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة:82].


لنر طريقة تعامل المنهج الإسلامي مع اليهود، وطريقة تناول التشريع الإسلامي لقضية اليهود.


قبل أن يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كان هناك إعداد نفسي ومعنوي للصحابة؛ من أجل أن يعرفوا إلى أين سيذهبون بعد ذلك، مع أنه مدة فترة مكة لم يعلم المسلمون أنهم سيرحلون ويهاجرون إلى المدينة المنورة، حيث تجمعات اليهود الكبيرة، لكن هذا إعجاز ظاهر في كتاب رب العالمين سبحانه وتعالى، فكثير من الآيات القرآنية ذكرت اليهود في فترة مكة، والآيات المكية التي تحدثت عن اليهود وعن بني إسرائيل أكثر من أن تحصى، إن هذا المنهج جميل نريد أن نقف عنده وقفة،


فنقول: إن ربنا سبحانه وتعالى كان يوسع الأفق عند المسلمين، فقبل أن تعرف أنك ستلتقي مع اليهود، وقبل أن تعرف أنه سيكون لك دولة في مكان ما، فإن الله سبحانه وتعالى يوسع لك الأفق، ويعرفك بما هو موجود في الأرض الآن، تجد آيات يستغربها المحلل لها، إلا أن يفقه المنهج الإسلامي الرفيع الذي أوحى به رب العالمين سبحانه وتعالى إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.


تجد مثلاً آيات في القرآن المكي عن الروم، وآيات في القرآن المكي عن اليهود، تجد الرسول عليه الصلاة والسلام يخبر الصحابة عن ملوك العجم، يخبرهم عن قيصر وكسرى والمقوقس، يعرف زعماء العالم في زمانه، مع أن المسلمين في فترة مكة كانوا مضطهدين ومشردين وليست لهم دولة ولا شوكة، وكانوا مأمورين رضي الله عنهم أجمعين في فترة مكة المكرمة بالكف عن المشركين،


يعني: احتمالية قيام دولة كانت بعيدةً جداً في الحسابات المادية، ومع ذلك فإن رب العالمين سبحانه وتعالى كان يعلمهم كيف يدور العالم حولهم، وهذا منهج حياة لابد أن نأخذ به، لا نقول: إننا دولة إسلامية بسيطة أو مجموعة من الملتزمين البسطاء القلة، لا داعي إلى معرفة أحوال العالم، وحقيقة أنك تحزن جداً عندما تجد شباباً كثيرين لا يعرفون عن أحوال الدنيا شيئاً، لا يعرفون ما الذي يحصل في فلسطين، وما الذي يحصل في الشيشان، وما الذي يحصل في كشمير، والعراق، والسودان، وما الذي يحصل بين الهند وباكستان، وما الذي يحصل بين أمريكا وروسيا، وما الذي يحصل بين أمريكا والصين، فالعلاقات الدولية الكثيرة المعقدة المتشابكة التي حول المسلمين لابد أن يفقهها المسلمون؛ لأنه سيأتي يوم من الأيام يستفيدون من هذه الأمور، فتظهر قوى وتندثر أخرى، وقد يؤثر ذلك سلباً أو إيجاباً على المسلمين.


تحدث القرآن المكي كثيراً عن بني إسرائيل، قبل أن يعرف المسلمون أنهم سيذهبون إلى المدينة المنورة، وقد ترك القرآن المكي انطباعات إيجابية كثيرة عن اليهود، وهذا الغرض معروف، وسنتكلم عنه بعد قليل.


كان يتحدث القرآن المكي عن بني إسرائيل دائماً بلفظ بني إسرائيل، لم يذكر كلمة اليهود أبداً؛ لأن كلمة اليهود استحدثت بعد ذلك في بني إسرائيل، جاءت هذه الكلمة بعد أن خالفوا كثيراً، لكن في الفترة التي كانت قبل المخالفة، وكانوا فيها أتباعاً لموسى عليه السلام ومن بعده من الأنبياء، كان يطلق عليهم في القرآن الكريم: بنو إسرائيل.


وإسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام، فنسبة هؤلاء إلى نبي تعطي لهم تشريفاً وتكريماً وتعظيماً، فترفع قيمة بني إسرائيل في قلوب المسلمين.

أيضاً تكررت كلمة (أهل الكتاب) ثلاثين مرة في القرآن كاملاً، منها آية واحدة فقط في القرآن المكي، وجاءت في قوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46]، فلفظة: (أهل الكتاب) تضم اليهود والنصارى، وجاء فيها الأمر بالمخاطبة بالتي هي أحسن.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق