الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 24- الطريق إلى أحد-7


الأستعداد والخروج لأحد


صلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالصحابة يوم الجمعة، ووعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد، وبشرهم بالنصر إن هم صبروا وإن هم ساروا على نهج الله عز وجل وعلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالفعل فرح الناس بالخروج وتجهزوا بنشاط، وبعد أن صلى الرسول عليه الصلاة والسلام العصر في يوم الجمعة في ستة من شوال، حشد أهل العوالي وحشد المدينة المنورة، وجمع الأصحاب رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وبدأ يستعد شخصياً للخروج للقتال، فأخذ معه أبا بكر و عمر رضي الله عنهما ودخل بيته، ليجهزاه بعدة الحرب، ولبس صلى الله عليه وسلم العدة الكاملة، لبس درعين وأخذ سيفه وخرج من بيته، وقبل أن يخرج من بيته اجتمع الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم مع المهاجرين،

وقال لهم سعد بن معاذ و أسيد بن حضير : استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه، فأحس الصحابة أنهم برأيهم هذا قد خالفوا رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان قد سمح بالشورى في هذا الأمر إلا أنه هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعلم الجميع أن رأيه هو الأحكم والأعلم والأفضل، فاستحيا الصحابة أن يخالفوا الرسول عليه الصلاة والسلام وخافوا من ذلك فقالوا: نرد الأمر إليه مرة ثانية، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عدة الحرب، قالوا له: يا رسول الله! ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل.


لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد اتخذ القرار وأعد العدة واتفق الصحابة على القتال، فقال لهم: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته -لباس الحرب- أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه).

ونستفيد من هذا فائدة عظيمة جداً وهي الحسم وعدم التردد، وهذه كما تذكرون صفة مهمة من صفات الجيش المنتصر، وقلنا: إن من صفات الجيش المنتصر التحفيز بالجنة، فقد حفز الرسول عليه الصلاة والسلام المسلمين بالجنة في خطبة الجمعة، وفي خروجه لصلاة العصر، وعندما سمع الناس نداء الجهاد في سبيل الله خرجوا من كل مكان، وخرج كما تعلمون جميعاً حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه وأرضاه، مع أنه كان حديث عهد بعرس، فقد كانت ليلة الجمعة ليلة الدخول على زوجته، لكنه عندما سمع نداء الجهاد في سبيل الله خرج مباشرة دون تردد.

إذاً: أن الصحابة في معركة أحد خرجوا فعلاً لله عز وجل، وهذا كان في عموم الجيش المسلم، إلا طائفة المنافقين التي كانت في جيش الجيش المسلم، وسنرى أمرها الآن. 

وبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام يجهز جيشه، ويعد العدة ويصف الصفوف؛ حتى يخرج على تعبئة من المدينة المنورة، فجهز (1000) مقاتل من المدينة المنورة، وجعل على كتيبة المهاجرين مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، وعلى كتيبة الأوس أسيد بن حضير رضي الله عنه، فهو الذي كان يريد الخروج بعد أن رجع الرسول عليه الصلاة والسلام من غزوة بدر ولم يشترك فيها أسيد ،

وقال: (يا رسول الله! لو كنت أعلم أنك تلقى قتالاً لخرجت معك، فقال له صلى الله عليه وسلم: صدقت)، فهاهو اليوم جاء ليخرج ويحقق مراده في الجهاد في سبيل الله، وجعله الرسول عليه الصلاة والسلام على رأس كتيبة الأوس، وجعل على رأس كتيبة الخزرج الحباب بن المنذر الذي أثبت كفاءته في موقعة بدر. وجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة درع، ولم يكن مع المسلمين في هذه الموقعة خيول، فلم يكن يملك أحدهم الخيول إلا القليل جداً، وبعض الروايات تذكر أنه كان مع المسلمين خمسون فرساً، لكن هذه الروايات غير صحيحة.

إن إعداد الرسول عليه الصلاة والسلام للجيش الإسلامي في غزوة أحد كان بقدر المستطاع، فقد أعد لهم القوة التي يستطيع صلى الله عليه وسلم، بدايةً من المخابرات السليمة وحماية المدينة المنورة، وتجهيز العدة، وإعداد الأفراد وإعداد السلاح، وهكذا خرج صلى الله عليه وسلم بهذا الإعداد الجيد.

كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قيادة الكتائب التي خرجت في هذه الموقعة إلى عمالقة العسكريين الإسلاميين، مثل مصعب بن عمير و أسيد بن حضير و حباب بن المنذر وغيرهم من قادة الصحابة، ورد صلى الله عليه وسلم الأطفال الذين لا يستطيعون القتال في غزوة أحد، رد عبد الله بن عمر وقد كان رده أيضاً في غزوة بدر، ورد زيد بن أرقم ورد زيد بن ثابت ، ورد أبا سعيد الخدري ورد أسامة بن زيد رضي الله عنهم أجمعين؛ لأنهم كانوا جميعاً صغيري السن.

ومن هذا يتبين لنا صفة من صفات الجيش المنتصر، هو توسيد الأمر إلى أهله، وهذا الكلام قد تكلمنا عنه في بدر، والآن نلقاه بكامله منطبقاً على الجيش الذي خرج في أحد، وكما قلنا في بدر رد الرسول صلى الله عليه وسلم أحد المشركين وقال: (لا أستعين بمشرك) تكررت كذلك في غزوة أحد، فقد جاءت كتيبة كاملة التسليح للاشتراك مع المسلمين للقتال في أحد، فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: هذه كتيبة من اليهود من حلفاء الخزرج، يعني: كانوا متحالفين منذ القدم مع الخزرج، يرغبون في المساهمة للقتال ضد المشركين،

فقال صلى الله عليه وسلم: (هل أسلموا؟ فقالوا: لا، فأبى صلى الله عليه وسلم وقال: لا أستعين بمشرك). إذاً: جيش أحد محاكاة كاملة للجيش الإسلامي الذي خرج ببدر، ومن المفترض أن هذا الجيش يحقق نتائج مثل بدر، وسنرى فعلاً أن هذا الجيش مادام محافظاً على هذه الصفات فإنه يحقق نفس النتائج، وهذه سنة إلهية.

كذلك ملمح آخر مهم من ملامح الجيش المنتصر رأيناه في غزوة أحد، وهو الاعتماد على الشباب، فجيش أحد هو جيش بدر بالإضافة إلى آخرين، وسأحكي لكم حكاية تريكم كيف كان الشباب يشاركون في موقعة أحد.

أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام رافع بن خديج رضي الله عنه وأرضاه لقدرته على الرماية، وهو ما زال طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره (13) أو (14) سنة، ولم يجز سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ لأنه كان صغيراً في السن، وليست له القدرة على الرماية حسب رؤيته صلى الله عليه وسلم، فأجاز الأول ورفض الثاني، فجاء إليه سمرة وقال: يا رسول! أنا أقوى من رافع أنا أصرعه،

بمعنى: أنني عندما أصارعه أغلبه، فأمرهما الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصارعا أمامه؛ ليختبر القدرات العسكرية والقتالية عندهما، فتصارعا فغلب سمرة رافعاً ، فأجازه الرسول صلى الله عليه وسلم.

إذاً: تحقق في جيش أحد الإيمان بالله عز وجل، والإيمان برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والإيمان باليوم الآخر، والتحفيز على الجنة حب الموت في سبيل الله، والحسم وعدم التردد، والإعداد الجيد، وتوسيد الأمر إلى أهله، وقيمة الشباب والشورى والأخوة، كل شيء تقريباً في بدر كان موجوداً في أحد، وإذا كان الجيش بهذه الهيئة فإنه سينتصر بإذن الله، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنهم لو مكثوا على هذا المنهج سوف ينتصرون، وهذه بشرى من رب العالمين سبحانه وتعالى لكل من أخذ بهذه المبادئ.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق