الأحد، 16 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 19- الطريق إلى بدر-2


تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
على الفهم الصحيح للهدف من وراء القتال



إذاً: أخذ المسلمون قراراً بمهاجمة قوافل قريش المتجهة إلى الشام، لكن قبل التخطيط العسكري لمهاجمة قوة قريش لا بد من تربية خاصة لنفوس المسلمين.
الآن هناك تشريع جديد، قانون يسمح بالقتال، فلابد أن نعرف لماذا سنقاتل؟ وماذا لو قتلت في المعركة؟ وماذا لو انتصرت؟ إن هذه الأمور لم يعرفها المسلمون قبل ذلك؛ لأن التشريع جديد والظروف جديدة، لكننا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ يعلم المسلمين ليس فقط كيف يقاتلون، ولكن في سبيل من يقاتلون.


فالقتال في الإسلام ليس إلا في سبيل الله عز وجل، ليس في سبيل النفس، ولا القائد ولا في سبيل الدنيا بأسرها، إنما هو في سبيل الله؛ لذلك فإنك تجد دائماً كلمة الجهاد في القرآن أو في السنة تأتي دائماً مقرونة بكلمة: (في سبيل الله) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111]. إلى آخر الآيات.


وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول عليه السلام قال: (والذي نفسي بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل).


وتجد هذا متكرراً في القرآن والسنة، وهو مخالف تماماً لأغراض الحرب عند غير المسلمين, أو عند الجيوش العلمانية من المسلمين، منهم من يقاتل رغبة في سبيل المال أو السلطة أو التملك، ومنهم من يقاتل رهباً وخوفاً من القائد أو العقاب، فليست هناك قضية حقيقية يقاتل من أجلها، ومن ثم يقاتل بلا حماسة ولا روح ولا هدف؛ لذلك فليس عنده أي مانع من أن يهرب من الجيش إن أمكن الهروب، أو يهرب من أرض القتال نفسها؛ لأنه ضاعت النوايا والأهداف، أما القتال في الإسلام فمختلف، هو قتال في سبيل الله، والله عز وجل حي لا يموت؛ لذلك فإن روح الجهاد عالية بصورة مستمرة وتلقائية في كل فرد.


إذاً: الرسول عليه الصلاة والسلام قام بالإعداد التربوي والنفسي على أعلى مستوى، وأصبح الصف الإسلامي فعلاً جاهز للصدام المروع مع قريش، لكن مع ذلك لم يخرج الرسول عليه السلام إلى القتال خروجاً عشوائياً دون تخطيط، بل جهز مسرح العمليات بقدر ما يستطيع، كما قلنا قبل ذلك أنه عقد بعض المعاهدات مع القبائل التي تقع في غرب المدينة المنورة، وهذه القبائل تسيطر على المنطقة التي تمر منها قوافل قريش، فالرسول عليه السلام عقد معاهدات جوار ودفاع مشترك، وبهذه المعاهدات سيحيد على الأقل جانب هذه القبائل، وسيطمئن إلى أنه لن يضرب من ظهره في أثناء الحرب مع قريش، وسيقوم كما سنرى بعقد معاهدات أخرى كلما استطاع مع بعض القبائل الأخرى في المنطقة وحولها.



أسباب تكوين الدوريات الإسلامية من المهاجرين فقط


بدأت الدوريات العسكرية الإسلامية بالفعل تجوب المنطقة حول المدينة المنورة بحثاً عن قوافل قريش المتجهة إلى الشام.
ونلاحظ شيئاً مهماً في هذه الدوريات، فهي مكونة فقط من المهاجرين وليس فيها أنصاري واحد، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: المهاجرون هم الذين وقع عليهم الظلم من قريش، فحربهم مع قريش ستبقى حرباً مفهومة عند كل أهل الجزيرة العربية، فيعذر أهل الجزيرة العربية المسلمين تماماً في هذه الحرب، وبذلك لا تفهم صورة الإسلام بطريقة خاطئة وبالذات في أيام الإسلام الأولى التي لم يسمع الناس فيها عن الإسلام.

ثانياً: المهاجرون سيكونون أكثر حمية وأشد قوة في حربهم مع قريش؛ لكونهم يستردون حقاً شخصياً لهم سلبته قريش؛ لذا ستكون فرصة النصر في جيش المهاجرين أكبر من فرصة النصر في الجيش المختلط من المهاجرين والأنصار.

ثالثاً: المهاجرون يعرفون أهل قريش، ويعرفون طرق حربهم وطرق قتالهم، فقد عاشوا بين أظهرهم فترة طويلة من الزمان، فهم يعرفون القادة، ويعرفون إمكانياتهم العسكرية بكل التفاصيل، وهذا الأمر سيعطي فرصة أكبر للنصر.

رابعاً: رفع الروح المعنوية للمهاجرين، فالمهاجرون تركوا الديار والأموال، وهذه فرصة لرفع الروح المعنوية، وتعويض ما خسروه مادياً ومعنوياً.

وقد يكون هناك أسباب أخرى لاختيار المهاجرين قد لا نعلمها، لكن السبب الرئيس في هذا الأمر: هو أن الرسول عليه السلام لم يرد أن يحرج الأنصار بالخروج للقتال ضد قريش خارج المدينة؛ لأن الأنصار لما بايعوا بيعة العقبة الثانية بايعوا على أن ينصروا الرسول صلى الله عليه وسلم في داخل المدينة المنورة إن أتى إليهم، ولم يبايعوه على الحرب خارج المدينة.

والرسول صلى الله عليه وسلم لو أمر الأنصار لأطاعوه، لكنه لا يريد أن يسبب لهم الإحراج، وكان صلى الله عليه وسلم وفياً في كل عهوده، لا يأخذ الناس أبداً بسيف الحياء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق