الأربعاء، 19 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 23- ما بعد بدر-1


الدرس الثالث والعشرون ما بعد بدر


أعز الله المؤمنين في غزوة بدر وخذل المشركين، وأصبح للإسلام دولة حقيقية في الجزيرة العربية، الأمر الذي جعل قريش تشتعل حقداً على الإسلام، وحزناً على فقدان أبطالها الشجعان، فكان لغزوة بدر تأثيرات إيجابية على المسلمين، وتأثيرات سلبية على أهل الكفر والضلال، لذلك فكرت قريش في استرداد هيبتها في الجزيرة بأحداث تلت وقعة بدر.


الآثار المترتبة على غزوة بدر


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس التاسع من دروس السيرة النبوية في العهد المدني،


وكنا قد تحدثنا في الدروس السابقة عن غزوة بدر وعن الملابسات التي أدت إلى قيام الغزوة وعن صفات الجيش المنتصر، وعن جنود الرحمن سبحانه وتعالى في هذه الغزوة، ووصلنا إلى أن هذه الغزوة فعلاً من أعظم الغزوات في تاريخ المسلمين، وقد سماها رب العالمين سبحانه وتعالى بيوم الفرقان؛ وما ذلك إلا لأنها فرقت بين مرحلتين مهمتين من مراحل الدعوة الإسلامية والأمة الإسلامية، والذي يتذكر الوضع قبل غزوة بدر ويدرس الوضع بعد غزوة بدر يلاحظ الفرق الهائل بين حال المسلمين قبل الغزوة وبعدها.


إنَّ غزوة بدر كان لها آثار ضخمة هائلة على الجزيرة العربية بكاملها بل وعلى العالم بصفة عامة، وما زال لغزوة بدر إلى يومنا هذا آثار، وسيكون لها آثار إلى يوم القيامة، فهي فعلاً يوم الفرقان.


أثر غزوة بدر في الميلاد الحقيقي للدولة الإسلامية
بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم



أول آثار غزوة بدر وأعظمها هو الميلاد الحقيقي للدولة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، والجيش الإسلامي الذي ولد في هذه الغزوة هو الذي على أكتافه أنشئت الدولة العظيمة دولة الإسلام، وقد تعرفنا في غزوة بدر على صفات الجيش المنتصر، وعرف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هذه الصفات، ودرسوها بإتقان، وبعد هذا طبقوها في كل المعارك التي انتصر فيها المسلمون، وإذا خالف المسلمون نقطة أو بعض النقاط من هذه الصفات أتت الهزيمة والمصائب؛


لذلك فإن غزوة بدر تعتبر معياراً أو مقياساً يجب أن يقيس المسلمون عليه أحوالهم، فإن كانوا يطيقون هذه الصفات فلله الحمد والمنة والفضل، وإن كانوا غير ذلك فلا بد أن يعدلوا مسارهم؛ ليعودوا إلى الطريقة التي سار عليها أهل بدر رضي الله عنهم أجمعين.

ولدت أمة الإسلام بعد غزوة بدر، وأصبح لها هيبة في الجزيرة العربية بكاملها، وبدأ الناس في كل الجزيرة يتساءلون عن الإسلام والمسلمين،


فقد كانوا يتخيلون من قبل أن الأمر مجرد خلاف داخلي داخل مكة، هذا الخلاف هو رجل من مكة خرج بشيء اعترض عليه قومه، وظهر له أتباع، فهي مجرد حرب أهلية في داخل مكة المكرمة، ثم بعد ذلك لفتت أنظار العرب الهجرة إلى المدينة المنورة، لكن اللفت الحقيقي للأنظار كان بعد بدر، فالانتصار الضخم كان له أثر مهول على الجزيرة بكاملها، فبدأ الناس يتساءلون: من هم المسلمون؟ ما هو الإسلام؟ ولا شك أن هذا فتح للإسلام قلوباً كثيرة.


وهكذا بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام ينظر دولته كدولة مستقرة، لها كيان مستقل ولها احترام ولها سمعة عظيمة في داخل الجزيرة العربية.



آثار غزوة بدر على أهل المدينة


كذلك أثرت غزوة بدر على المسلمين في داخل المدينة المنورة الذين لم يشاركوا فيها، فإنه لما وصل خبر نصر الإسلام في غزوة بدر إلى المدينة المنورة اختلطت مشاعر الفرح والسرور بهذا النصر العظيم بمشاعر الندم لعدم المشاركة في هذا النصر العظيم.

التف المسلمون حول البشير وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه يطمئنون على أخبار الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرجع مباشرة من بدر، بل مكث في أرض بدر ثلاثة أيام كعادة الجيوش المنتصرة، وبعد ذلك عاد إلى المدينة المنورة،


لكن الخبر كان قد سبق واستقبلت وفود التهنئة الرسول صلى الله عليه وسلم بمنتهى الترحاب والفرح والسرور، وفي نفس الوقت جاء كثير من الأنصار رضي الله عنه وأرضاهم يعتذرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم مشاركتهم في بدر مع رغبتهم الأكيدة في الجهاد في سبيل الله؛ لأنهم لم يعرفوا أن هناك قتال.


على سبيل المثال: جاء له أسيد بن حضير رضي الله عنه وأرضاه وقال: (يا رسول الله! الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله! ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال له صلى الله عليه وسلم: صدقت).


إن مشاعر الندم التي جاءت في قلوب الأنصار والمهاجرين الذين لم يشاركوا في غزوة بدر ستؤدي بعد ذلك إلى بعض النتائج كما سنرى، وسيكون لها أثر واضح إيجابي في مقدمة غزوة أحد كما سيتبين لنا.

إذاً: كان هناك أثر إيجابي كبير على الجيش المسلم، وعلى الذين لم يشاركوا في غزوة بدر، وقامت الدولة الإسلامية على أكتاف هؤلاء وهؤلاء.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق