الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 24- الطريق إلى أحد-5


المقدمات الإعدادية 
لفريق الحق وفريق الباطل في غزوة أحد


إن موقف قريش كان موقفاً سيئاً جداً، فهي تعاني من أزمة اقتصادية ضخمة، وذلك بقطع طرق التجارة عن الشام، كذلك تعاني من أزمة سياسية ضخمة، وذلك بإهانة كرامتها وضياع هيبتها في الجزيرة العربية بعد الهزيمة المرة على يد المسلمين، خاصة أن الكفار كانوا أضعاف الجيش الإسلامي، كذلك تعاني من أزمة اجتماعية، وذلك بقتل سبعين من أشرافها، وكل واحد من عائلات هؤلاء الأشراف يريد أن يأخذ الثأر لأبيه أو لعمه أو لخاله أو كذا من أقاربه، كذلك تعاني من أزمة دينية؛ لأن الله عز وجل أخبر أن الحرب مستمرة بين الكفار والمسلمين، ما دام المسلمون على دينهم.


قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:36]، إذاً: هذا هدف واضح عندهم، والرسول عليه الصلاة والسلام ينشر الإسلام في المدينة وما حولها، وبالتالي يرفع من درجة الفوران والغيلان في داخل مكة المكرمة، فيا ترى ماذا سيعملون؟ لنرى الآن ماذا سيفعل القرشيون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المؤمنين في المدينة المنورة.




المقدمات الإعدادية لفريق الباطل

قلنا قبل ذلك: إن الكفار أوقفوا التصرف في قافلة أبي سفيان التي نجت من بدر؛ وذلك لتجهيز جيش ليحارب المسلمين، هذه القافلة كانت تقدر قيمتها بخمسين ألف دينار ذهبي، فهي كمية هائلة من الأموال، ومع ذلك كل هذه الأموال أنفقت للصد عن سبيل الله، وبدأت قريش تجهز الجيش من داخل مكة، بل بدأت تستنفر القبائل المحيطة المساعدة والمعاونة لها، وكونت بالفعل جيشاً كبيراً قوامه (3000) مقاتل، وأخرجت كل زعماء مكة على رأس الجيش المكي، وعلى رأس كل هؤلاء أبو سفيان، وأكبر المساعدين له في هذه الموقعة هو صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد، هذه هي القوة البشرية التي جهزوها.


أما قوة السلاح فجهزوا (3000) بعير و (200) فرس، و (700) درع، وخرج مع الجيش (15) امرأة من نساء قريش، تتقدمهم سيدة مكة الأولى في ذلك الوقت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وكذلك زوجات القادة العظام الكبار في جيش مكة، زوجة صفوان بن أمية، وزوجة عكرمة بن أبي جهل، وزوجة الحارث بن هشام.


وفوق كل هذا حرب إعلامية ضخمة في الجزيرة العربية بكاملها تحفز الناس على حرب المسلمين، وقاد هذه الحملة أبو عزة الجمحي، الأسير الذي أسره صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وأطلقه مناً بغير فداء، وأخذ عليه عهداً ألا يشارك ولا يحفز المشركين على حرب المسلمين، فهاهو الآن يخالف العهد ويحفز العرب بكاملهم على حرب المسلمين، وهذا سيكون له مردود في غزوة أحد كما سنرى إن شاء الله.

القيادة العامة للجيش لـ أبي سفيان، وقائدا سلاح الفرسان خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، وكان اللواء مع بني عبد الدار.
إذاً: هذا هو إعداد جيش مكة، ومع أن هذا الإعداد إعداد كبير جداً، إلا أن هذه الموقعة أسهل على المسلمين من موقعة بدر للأسباب التالية: أولاً: فقدت قريش معظم قادتها، فهذا الجيش يخلو من أسماء ضخمة في تاريخ مكة، فليس هناك الوليد بن المغيرة ولا أبو جهل ولا عقبة بن أبي معيط ولا النضر بن الحارث ولا أمية بن خلف، وقتلى بدر من المشركين كثير جداً.


ثانياً: المسلمون يعلمون بأمر الحرب ويستعدون لها، حيث إن الخبر وصل من مكة إلى المدينة المنورة مباشرة، وعند الرسول عليه الصلاة والسلام وقت للإعداد، فسيخرج بعدة المقاتل لا بعدة المسافر.

ثالثاً: الحرب ستكون في المدينة أو بجانب المدينة المنورة، فعلى على المشركين أن يسيروا مسافة خمسمائة كيلو متر إلى المدينة المنورة حتى يدخلوا في المعركة، فهو مشوار طويل جداً في الصحراء، والجيش قوامه (3000) مقاتل، فقد تكون هناك مشقة على الجيش، بينما سيخرج المسلمون من المدينة المنورة إلى أحد أو إلى ما حولها حسب اختيار المكان، والمسافة التي سيقطعونها (5) كيلو أو (10) كيلو أو (20) كيلو من المدينة المنورة، فالوضع بالنسبة للمسلمين أقل مشقة.

رابعاً: الحالة المعنوية؛ فمعنويات المسلمين مرتفعة، بينما معنويات الكفار في الحضيض، فقد كانوا مغلوبين في بدر، ومروا بأكثر من أزمة خلال السنة الماضية، وآخر الأزمات كانت أزمة سرية زيد بن حارثة، ففي هذه السرية أخذت القافلة من صفوان بن أمية، وكان فيها بضاعة تقدر بمائة ألف دينار، فكانت ضربة قاسية جداً لقريش، خاصة أن القافلة كانت تسير على مسافة بعيدة جداً من المدينة المنورة، مما يثبت لنا الكفاءة العسكرية والمخابراتية للقوة الإسلامية في المدينة المنورة، فكل هذا يضعف جداً من نفسية الجيش المكي، وكل هذا يبين أن جيش المسلمين له علو وقوة وبأس، مع أن عدد الجيش الإسلامي أقل من عدد الجيش المكي، لكن عوامل نصره كانت كثيرة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق