الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 25- يوم أحد-4


قتال حول الرسول (صلي الله عليه وسلم )


حارب طلحة بن عبيد الله حرباً ضروساً في ذلك اليوم، وقاتل من كل مكان حول المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت الجروح التي أصابت جسده إلى تسعة وثلاثين جرحاً، تخيل أن واحداً يتقطع بالسيف تسعةً وثلاثين جرحاً ولا زال يقاتل في سبيل الله، وجاء سهم من بعيد كاد يصيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فوضع طلحة يده أمام السهم، فدخل السهم في يده وأنقذ الرسول صلى الله عليه وسلم وشلت يد طلحة بهذا السهم رضي الله عنه وأرضاه.

بعد هذه الحرب الضخمة حول الرسول عليه الصلاة والسلام وصل بعض الصحابة رضي الله عنهم من بعيد، رأوا الرسول عليه الصلاة والسلام في مأزق وفي موقف صعب، ففاء إليه مجموعة من الصحابة من مقدمة الجيش، وأول من فاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الناس حباً له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وبينما هو يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى واحداً يقاتل حول النبي صلى الله عليه وسلم من كل مكان فقال: كن طلحة فداك أبي وأمي، كن طلحة فداك أبي وأمي، كن طلحة فداك أبي وأمي.

ثم وجده طلحة كما تمنى؛ لأن طلحة مقاتل شديد وفارس مغوار، فتمنى أن يكون طلحة ؛ حتى يستطيع أن يدافع الدفاع الأمثل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وصل أبو بكر الصديق وتبعه مباشرة عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح ، ووجد أبو بكر الصديق أن حلقات المغفر قد دخلت وجه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فذهب لينزعها، فقال له أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر ! إلا تركتني، ونزل أبو عبيدة بن الجراح ، ووضع فمه على حافة المغفر، وبدأ يجذبها بخفة من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن من قوة مسكة حلقة المغفر بأسنانه وقعت إحدى أسنانه رضي الله عنه وأرضاه، وخرجت إحدى حلقات المغفر،

فأراد أبو بكر أن ينزع الحلقة الأخرى، فقال له ثانية: نشدتك بالله يا أبا بكر ! إلا تركتني، ونزع الحلقة الثانية وسقطت سن من أسنانه رضي الله عنهم أجمعين. وقاتل الصحابة قتالاً شديداً حول المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورأى الرسول عليه الصلاة والسلام طلحة وهو ما زال يقاتل عن اليمين وعن اليسار بهذه الجراح الكثيرة؛ فقال لأصحابه لـأبي بكر و عمر و أبي عبيدة : (دونكم أخاكم، دونكم أخاكم فقد أوجب) أي: أدى كل الذي عليه، وسقط طلحة رضي الله عنه من الإصابات الكثيرة،

وبدأ الصحابة يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى القرشيين. وجاءت بعد ذلك مجموعة أخرى من الصحابة، جاء أبو دجانة و مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري ، وجاء حاطب بن أبي بلتعة ، وجاءت أم عمارة إحدى النساء تقاتل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو طلحة الأنصاري يضع نفسه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ليحميه من سهام المشركين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يضرب بالسهم من ورائه، فكان يرفع رأسه من وراء كتف أبي طلحة ، فكان أبو طلحة يقول له: (يا رسول الله! بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك يا رسول الله!).

وكانت أم عمارة تقاتل عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما نظرت يميني ولا شمالي ولا أمامي ولا خلفي إلا وجدت أم عمارة تقاتل عني بسيفها).

نظر إليها صلى الله عليه وسلم نظرة إعجاب بقتالها، مع أنها امرأة ضعيفة وليست مكلفة بالقتال بالسيف في هذه الموقعة التي فر فيها بعض الرجال، فنظر إليها نظرة وهو يبتسم، فشاهدته أم عمارة رضي الله عنها وأرضاها وهو يبتسم فقالت: (يا رسول الله! ادع الله أن نكون معك في الجنة، فقال: أنتِ معي في الجنة).

كانت تقاتل هي وزوجها وابنها جميعاً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وقتل عتبة بن أبي وقاص الذي كان يرضخ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقاتل قتالاً شديداً حتى تحطمت أسنانه رضي الله عنه وأرضاه، وأصيب بعشرين إصابة في جسده، كان أحدها سبباً في إصابته بالعرج الدائم بعد ذلك.

سقط الرسول عليه الصلاة والسلام في حفرة من الحفر التي فعلها المشركون ككمين للمسلمين، ولم يستطع أن يخرج من شدة الجراح التي في جسده صلى الله عليه وسلم، و أبو دجانة يرى السهام تأتي من كل مكان صوب الرسول عليه الصلاة والسلام، فوضع نفسه رضي الله عنه وأرضاه فوق الرسول عليه الصلاة والسلام، وغطى الحفرة بجسده حتى يتلقى السهام بظهره رضي الله عنه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق