الأربعاء، 19 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 22- نصر بدر-5


قذف الرعب في قلوب الأعداء


الجندي الثاني من جنود الرحمن في بدر هو جندي عجيب يقال له: الرعب، يلقيه الله عز وجل في قلوب الكافرين، روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، وفي رواية أحمد يقول: (ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر)،


يعني: قبل أن يصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العدو بمسيرة شهر يكون العدو قد أصيب بالرعب، ومعلوم أن الرعب يدخل في قلوب كل الناس، هذا شيء معروف، لكن العجيب أن يدخل الرعب في قلوب القوي من الضعيف، وأن يدخل الرعب في قلب الكثير من القليل، وأن يدخل الرعب في قلب من هو مدجج بالسلاح من الأعزل الذي لا يملك سلاحاً، هذا هو العجيب، وهذا الذي نراه دائماً مع جيوش المؤمنين، يقول سبحانه وتعالى في غزوة بدر: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:12]،


تخيل! سيلقي الله عز وجل بنفسه الرعب في قلوب الذين كفروا، وقد رأينا جيش مكة كيف كان مرعوباً من أوله إلى آخره، مع أنه ألف بعدة المحارب، والمسلمين ثلاثمائة بعدة المسافر، لكن ماذا تفعل لمن ألقى الله عز وجل الرعب في قلبه؟ وهذا واقع نراه إلى الآن، كم رأينا طفلاً صغيراً يمسك بحجر ويقف أمام دبابة غير خائف، والجندي داخل الدبابة لا يستطيع الخروج.


كم رأينا من طائرات وصواريخ تقصف كي تقتل رجلاً أعزل ولعله قعيد على كرسي! كم رأينا من فرق مسلحة بأقوى الأسلحة والأقنعة والأعداد والسيارات تذهب لتقبض على واحد لا يملك مسدساً أو خنجراً أو أي سلاح! وكثيراً ما نستغرب لماذا يحصل هذا؟ لكن لا نستغرب ونذكر أن الرعب جندي من جنود الرحمن سبحانه وتعالى.


إنزال الطمأنينة والسكينة
وتغشية المؤمنين بالنعاس يوم بدر



الجندي الثالث: عكس الرعب، وهو الطمأنينة والسكينة والأمان الذي يصل إلى حد النعاس، يلقيه الله عز وجل في قلوب الذين آمنوا، والقلوب بين أصابع الرحمن، فكما ألقى الله عز وجل الرعب في قلوب الكافرين، ألقى السكينة في قلوب المؤمنين حتى اطمأنوا وثبتوا، وستجد حديثاً عن السكينة في كل المواقع التي حصل فيها النصر، في بدر والأحزاب وصلح الحديبية وحنين وهكذا.
يقول الله تعالى عن غزوة بدر: {إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:11].



نزول المطر لإعاقة الكافرين وتطهير المؤمنين


الجندي الرابع من جنود الرحمن: المطر، فالله القادر أن ينزل المطر هنا أو هناك، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى:28]، والله هو الذي يقدر أن ينزل المطر هيناً لطيفاً على منطقة، وينزله وابلاً شديداً على منطقة مجاورة تماماً، ويكفينا أن نتذكر قول الله عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:11].




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق