الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 25- يوم أحد-2


بلاء وقتال أبي دجانة وحمزة وغيرهما


كان من أبرز المقاتلين المسلمين في هذه اللحظات أبو دجانة وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما، فهذان قد فعلا الأفاعيل بجيش قريش.

أخذ أبو دجانة السيف الذي أعطاه صلى الله عليه وسلم، وربط على رأسه عصابة حمراء، وقال الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، فجال في الأرض وقتل الكثير من المشركين.

وهناك موقف للزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان في نفسه غاضباً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أعطى السيف لـ أبي دجانة ولم يعطه هو، فقال الزبير في نفسه: أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه فسألته إياه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع -أي: سأرى أبا دجانة ماذا سيفعل في هذه الموقعة حتى يعطى هذا السيف- فاتبعته فرأيته وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول.

والكيول: مؤخرة الصفوف، يعني: أقاتل في مقدمة الصفوف.
أضرب بسيف الله والرسول قال الزبير بن العوام: فجعل لا يلقى أحداً من المشركين إلا قتله، وكان في المشركين رجل شديد جداً يقتل كل جريح مسلم فدعوت الله أن يجمع بينه وبين أبي دجانة فاجتمعا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته -بدرعه- فعضت بسيفه فضربه أبو دجانة فقتله.

وأخذ أبو دجانة يخترق صفوف الكفار حتى وصل إلى آخره، وكان في آخر الجيش النساء، فرفع سيفه ليضرب إنساناً.
يقول أبو دجانة: رأيت إنساناً يخمش الناس خمشاً شديداً فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا هو امرأة -وهي هند بنت عتبة - فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة.
هذا هو أبو دجانة رضي الله عنه وأرضاه.

وقاتل حمزة بن عبد المطلب أيضاً كقتال أبي دجانة رضي الله عنهما، قاتل قتالاً شديداً في كل الميادين، ولم يقف أبداً في وجهه أحد من المشركين، لكن وقف في ظهره أحدهم، وهو وحشي بن حرب أحد الغلمان في جيش المشركين، وله قصة، يقول وحشي بن حرب: كنت غلاماً لـ جبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إنك إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق، المسألة مسألة ثأر تماماً، قال: فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس هداً ما يقوم له شيء، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته -يعني: في أحشائه- حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب -يعني: بعد أن ضرب حمزة بالحربة ذهب ليقتل وحشياً - وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيها ولم يكن لي بعده حاجة وإنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة عتقت.

لقد كان قتل حمزة رضي الله عنه وأرضاه أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم خسارة فادحة خسرها المسلمون، ومع قتل هذا الأسد العظيم رضي الله عنه إلا أن المسلمين ظلوا مسيطرين تماماً على الموقف في أرض أحد، فقد قاتل عامة المسلمين يومئذ قتالاً شرساً شديداً عظيماً، قاتل أبو بكر وقاتل عمر وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن جحش وسعد بن معاذ كل المسلمين أبلوا بلاءً حسناً في ذلك اليوم.

وكان لـ خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه -وكان يومئذ مشركاً- نظرة عسكرية ثاقبة، رأى الثغرة التي من الممكن أن يلتف على المسلمين عن طريقها، فجاء خالد بن الوليد بفرقة من الفرسان والتف حول جبل الرماة، لكن فوجئ بسيل من السهام من كتيبة الرماة من فوق الجبل، فردت خالد بن الوليد ولم يستطع مع كل ذكائه وعبقريته وحنكته العسكرية أن يتجاوز هذه الكتيبة ويأتي الجيش المسلم من الخلف، وقرر خالد المحاولة مرة ثانية وثالثة، وفي كل مرة يفشل في تجاوز كتيبة الرماة التي قامت حتى هذه اللحظة بمهمتها على أكمل واجب.



انتصار المسلمين في غزوة أحد في أول الأمر


بدأت الهزيمة تدب في الجيش المشرك ثلاثة آلاف مشرك، كأنهم يقابلون ثلاثين ألف مسلم، مع أن المسلمين كلهم سبعمائة، وبدأ المشركون يفكرون في الهروب، وبدءوا فعلاً في الهروب، وعادوا يتراجعون إلى الوراء شيئاً فشيئاً، ثم بدءوا يولون وجوههم قبل مكة، حتى إنهم تركوا النساء وراءهم.

يقول الزبير بن العوام: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير.
يعني: انتهت الموقعة ومن الممكن أخذ النساء سبياً.

فكان نصراً عظيماً للجيش المسلم، لا يقل هذا النصر روعة عن نصر بدر، فالله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152] تحسونهم أي: تستأصلونهم، فالله سبحانه وتعالى وعد المسلمين إن كانوا صابرين ومتبعين لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم النصر في أحد وفي غيرها، وقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قبل الخروج إلى أحد، والمسلمون إلى هذه اللحظة ملتزمون تماماً بما قال لهم صلى الله عليه وسلم، وبما كانوا عليه يوم بدر؛ لذلك تحقق النصر حتى هذه اللحظة.

إذا وقفنا وحللنا فإننا سنجد أن هذا الجيش إلى الآن مؤمن بالله عز وجل، ومؤمن باليوم الآخر يطلب الجنة، والشورى طبقها، والإعداد الجيد طبقه، والقائد في هذا الجيش يعيش مع شعبه ويشترك معهم في كل صغيرة وكبيرة، وأخوة في الله واضحة في أثناء القتال، والأمل في قلوبهم، واليقين في نصر الله عز وجل يملأ نفوسهم، والأمر موسد إلى أهله، والصفات العشر التي تكلمنا عنها في غزوة بدر كلها متحققة إلى هذا الوقت في جيش أحد، فكان النصر للمسلمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق