الأحد، 16 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 19- الطريق إلى بدر-8


كل هذا التعليق على سرية نخلة:


(( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) [البقرة:218]. غفر لهم ما تم لهم من قتال في الشهر الحرام وهكذا أيد الله عز وجل موقف الصحابة المجاهدين، ووضح الرؤية لعموم المسلمين، فهدأت النفوس واطمأنت القلوب.


تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحدث تعاملاً في منتهى السياسية والحكمة، يجمع فيه بين القوة والعزة من جانب، وبين التفاهم والتحاور من جانب آخر، فقد أخذ القافلة كغنيمة ورفض أن يردها إلى قريش، واعتبرها جزءاً بسيطاً من ممتلكات المسلمين المسلوبة، وفي نفس الوقت لم يتشدد في أمر الأسيرين، بل قبل في الأسيرين الفداء بالمال، وكان قبول الفداء في عزة عظيمة جداً.


يظهر هذا الكلام في الموقف الجميل التالي: كان عدد الخارجين في السرية اثني عشر رجلاً، وصل منهم إلى المدينة عشرة، وبقي عتبة بن غزوان و سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما؛ لبعير ضل لهما، فلم يرجعا مع السرية، فلما تأخرا قرر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يفدي الأسيرين إلا بعد عودة الصحابيين الجليلين إلى المدينة المنورة، وذلك لخوفه من كفار مكة أن يمسكوهما فيقتلوهما، فلما رجعا إلى المدينة المنورة أذن صلى الله عليه وسلم في الفداء.


وهكذا كان صلى الله عليه وسلم قائداً حريصاً على جنوده، حريصاً على عزة أمته. وفي نفس الوقت كان حريصاً على عدم قطع قنوات الاتصال السياسية مع أعدائه، فقبل فداء الأسرى، وأعطى دية المقتول عمرو بن الحضرمي لأهله، وذلك ليفتح باب التعامل بالمثل، فلو حصل أن وقع في أيدي الكفار مسلم فإنه يكون التعامل بهذه الطريقة.



موقف قريش من انتصار المسلمين في سرية نخلة


أغلقت هذه الصفحة مؤقتاً لصالح المسلمين، لكن هذا الموقف كشف عن بعض الأحداث الخطيرة التي من الممكن أن تشهدها الجزيرة العربية مستقبلاً.
كشفت عن مناطق خطرة جداً سيحصل فيها أحداث قريبة بين مكة والمدينة.


مكة فيها كفار قريش، والمدينة فيها اليهود، ماذا حصل بعد هذه السرية؟ ما هو الذي غير الأوضاع بعد هذه السرية العظيمة؟ فبعد هذا الاختراق المرعب لصفوف قريش، وبعد هذا التحدي السافر من القوة الإسلامية الجديدة، لا شك أن قريشاً ستعيد الحسابات تماماً، وسترتب الأوراق من جديد.


فالمسلمون وصلوا إلى مكان لا يتوقع المشركون أبداً أن يصلوا إليه، سيطروا في جرأة عجيبة على قافلة من قوافل قريش على بعد أربعمائة وثمانين كيلو متراً من المدينة المنورة وقريبة جداً من مكة.


ولا يستبعد منهم أبداً تكرار هذا الأمر في أي مكان في الجزيرة، بل قد يتم غزو مكة ذاتها، فلا شك أن هذا سيدفع أهل مكة إلى أخذ تدابير وقائية وقد يفكرون في غزو المدينة المنورة، وهم فعلاً غزوا المدينة قبل ذلك في محاولة كرز بن جابر الفهري، ولعل المحاولة القادمة تكون أكبر، فقد يفكر المشركون في اصطياد القوافل الإسلامية، وقد يفكرون في الهجوم على القبائل الإسلامية حول المدينة، فهذه احتمالات أصبحت واردة بعد سرية نخلة.


قد يحدث صدام قريب مروع بين قوة المشركين المتمثلة في قريش وحلفائها، وقوة المسلمين الناشئة في المدينة المنورة.
هذا الخطر يتوقع قدومه من مكة.
أما الخطر الأقرب فكان متوقعاً من اليهود، فاليهود إلى الآن لم يظهروا أي تعاطف مع الدين الجديد، اللهم بعض الأفراد المعدودين على أصابع اليد الواحدة.


حاول اليهود الدس والكيد لهذا الدين أكثر من مرة، وازداد كيدهم بعد سرية نخلة، وبدءوا يجاهرون بموالاتهم لقريش الكافرة، مع أن المعاهدة التي بينهم وبين الرسول عليه والسلام كانت تقول: (لا تجار قريش)، لكنهم بدءوا يظهرون الولاء لقريش، بل أظهروا الرغبة الجامحة في أن تأتي قريش وتغزو المدينة المنورة وأبرزوا حتى التفاؤل بالأسماء، واليهود يحبون الرموز،


على سبيل المثال: قتل عمرو بن الحضرمي، عمرو عمرت الحرب، الحضرمي حضرت الحرب، والذي قتل عمرو بن الحضرمي من المسلمين كان اسمه واقد بن عبد الله، قالوا: واقد أوقدت الحرب. هذه طبيعة اليهود.


إذاً: بعد هذه السرية تبين أن هناك صداماً متوقعاً قريباً مع قريش، وأيضاً هناك صدام قريب متوقع مع اليهود، هذا كله في شهر شهر شعبان سنة اثنين هجرية.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق