الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 25- يوم أحد-1


الدرس الخامس والعشرون يوم أحد


لا يهزم جيش مؤمن متصف بصفات الجيش المنتصر، لكن إذا فقد هذا الجيش صفة من صفاته تغير الحال وانقلبت الموازين من نصر إلى هزيمة، وغزوة أحد هي مصيبة على المسلمين وليست هزيمة، وقد صرح الله سبحانه بذلك في كتابه، ومع ذلك كله لم تكن غزوة أحد شراً محضاً على المسلمين، بل إنها تحمل في طياتها الخير الكثير للمسلمين، وبقدر الذنب تكون المصيبة، فهي بمثابة الدرس، وبمثابة البلسم الشافي للمؤمنين من مرض المخالفة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.


معركة أحد وما رافقها من أحداث


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الحادي عشر من دروس السيرة النبوية في العهد المدني.


وقد تحدثنا في الدرس السابق عن مقدمات غزوة أحد، تحدثنا عن الإعداد الجيد لجيش الكفار، والذي بلغ تعداده ثلاثة آلاف مقاتل بعدة جيدة للحرب.
وكذلك تحدثنا عن الإعداد الجيد للجيش المسلم، وكما ذكرنا في الدرس السابق أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج بألف من رجال المسلمين، ولكن انسحب منهم قبل أن يدخل أرض المعركة (300) من المنافقين؛ فأصبح الجيش حوالي (700) من المسلمين.

وذكرنا أيضاً أنه إلى جانب الإعداد الجيد توافرت صفات الجيش المنصور في الجيش المسلم الخارج إلى أحد، من إيمان بالله عز وجل، وإيمان برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن إيمان باليوم الآخر، وطلب الجنة والرغبة في الموت في سبيل الله، ومن أخوة وشورى، ومشاركة القائد لجنده وغير ذلك من صفات الجيش المنصور التي تحدثنا عنها بالتفصيل عند حديثنا عن غزوة بدر.

دخل الرسول عليه الصلاة والسلام أرض أحد، واحتل مواقع متميزة فيها، ووضع فرقة من الرماة على الثغرة الوحيدة الموجودة في أرض المعركة، وأكد عليهم مرة وثانية وثالثة عدم التخلي عن مواقعهم مهما كانت الظروف، قال صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن جبير قائد المجموعة: (انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتون من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك، ثم قال للرماة: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطئناهم فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم) فكانت الأوامر في منتهى الوضوح، لا تفتح أي باب للاجتهاد عند الرماة، بل كلها تحمل معنى واحداً وهو الثبات فوق جبل الرماة.



التحام الجيشين

بدأ القتال يوم السبت السابع من شوال سنة ثلاث للهجرة بعد حوالي سنة من غزوة بدر، بدأ اللقاء في منتهى الشراسة، وأول لقاء دار كان حول راية الكفار، وكان يحملها فارس من بني عبد الدار اسمه طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أكبر وأعظم وأشرس فرسان قريش، كانوا يلقبونه بكبش الكتيبة، فكان طلحة بن أبي طلحة أول من طلب القتال من قريش.

وخرج بهيئته المرعبة وكان راكباً جملاً، فأحجم المسلمون عن مبارزته؛ لأن شكله كان مرعباً، فتقدم الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه وانطلق إليه، وقفز فوق جمل طلحة بن أبي طلحة وجذبه من فوق الجمل إلى الأرض، وبرك فوقه وقتله رضي الله عنه وأرضاه.

فلما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام الزبير بن العوام رضي الله عنه يقتل كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة قال: (إن لكل نبي حواري وحواريي الزبير) رضي الله عنه وأرضاه، واحتدم اللقاء بسرعة، واشتعلت أرض المعركة.

وتقدم عثمان بن أبي طلحة أخو طلحة بن أبي طلحة وحمل الراية وطلب القتال، فخرج له حمزة رضي الله عنه وأرضاه وقتله.
ثم خرج أخوهم الثالث أبو سعد وقتله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وهكذا خرج مسافع بن طلحة.
ثم خرج كلاب بن طلحة.

ثم الجلاس بن طلحة، مجموعة كبيرة من بني عبد الدار، هؤلاء الستة من بيت واحد من بيت أبي طلحة.
كانت مأساة بالنسبة لبني عبد الدار، ومع ذلك خرج منهم واحد اسمه أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب.

ثم خرج شريح بن خالد فقتله غلام أنصاري اسمه قزمان.
ثم خرج واحد اسمه عمرو بن عبد مناف فقتله قزمان أيضاً.
ثم خرج ولد لـ شرحبيل بن هاشم فقتله قزمان أيضاً، فقد قاتل قزمان قتالاً شديداً في يوم أحد.

فهؤلاء عشرة قد قتلوا كلهم من بني عبد الدار، وكان كل واحد منهم يسلم الراية للآخر؛ لأنهم كانوا قد عاهدوا أبا سفيان ألا يتخلوا أبداً عن الراية، وصدقوا في ذلك.

ثم خرج مولى لبني عبد الدار كان اسمه صواب من الحبشة قاتل قتالاً أشد من السابقين جميعاً حتى قطعت يده الأولى ثم الثانية، ثم قطع رأسه وهو يحمل الراية حتى سقط، وبسقوط هذا الغلام الحادي عشر سقطت الراية المشركة، ولم يتسلمها أحد بعد ذلك.

كان اللقاء بأعلى مستوى، فالأرض كلها هجوم كاسح شامل، وكان شعار المسلمين في هذا اليوم: أمت أمت، وكانت البداية في صالح المسلمين، فقد قتلوا أحد عشر قتيلاً من غير أن يقتل واحد من المسلمين، فقد كان انتصاراً ضخماً ضعفت به معنويات الكفار، وارتفعت معنويات المسلمين إلى أعلى درجة، وبدأ المسلمون يقتلون في الكفار ويسيطرون على الموقف تماماً، وقاتل جميع المسلمين بمنتهى الضراوة والقوة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق