الأحد، 23 فبراير 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 24- الطريق إلى أحد-4


أمر النبي صلى الله عليه وسلم 
بقتل كعب بن الأشرف


شبيه بهذا الموقف في هذه الفترة أيضاً ما فعله صلى الله عليه وسلم مع رجل من يهود بني النضير، كان هذا الرجل يقود حرباً ضروساً ضد المسلمين، ليس كل القبيلة يقودون هذه الحرب، وإنما هو واحد منها كان اسمه كعب بن الأشرف، وهو من قادة بني النضير وزعمائها، هذا الرجل كان يصرح بسب الله عز وجل وبسب رسوله الكريم وكان شاعراً مجيداً ينشد الأشعار في هجاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم،

ولم يكتف بذلك الأمر، ولكنه ذهب ليؤلب القبائل على الدولة الإسلامية، ولم يكتف بهذا الأمر، بل ذهب إلى مكة المكرمة، وألب قريشاً على المسلمين، وبدأ يتذاكر معهم قتلى المشركين في بدر، بل إنه فعل ما هو أشد من ذلك وأنكى، وتعلمون أنه من اليهود وهو يعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام رسول من عند رب العالمين؛ سأله القرشيون وهم يعبدون الأصنام، قالوا: أديننا أحب إليك، أم دين محمد وأصحابه، وأي الفريقين أهدى سبيلاً؟ فقال الكافر: أنتم أهدى منهم سبيلاً، وفي ذلك أنزل الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:51].


طبعاً هذا الكلام شجع قريشاً على الحرب، ولم يكتف كعب بذلك، بل زاد على ذلك أموراً تخرج عن فطرة العرب وأدبهم بصفة عامة، سواء كانوا في الإسلام أو في الجاهلية، بدأ يتحدث بالفاحشة في أشعاره عن نساء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

إذاً: كعب بن الأشرف ارتكب عدة جرائم ضخمة، سب الله عز وجل، وسب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهجى الصحابة، وهجى الصحابيات بأفحش الكلام، وحرض قريشاً على الانتقام لقتلاها في بدر، وكل هذا مخالفة صريحة للمعاهدة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان في المعاهدة: ألا تجار قريش ولا تنصر على المسلمين، فكل هذه الأشياء جعلت الرسول يأخذ قراراً في منتهى الحسم بقتل كعب بن الأشرف،

فقال صلى الله عليه وسلم: (من لـ كعب بن الأشرف؛ فإنه آذى الله ورسوله)، فقام محمد بن مسلمة وعباد بن بشر وأبو نائلة والحارث بن أوس ومجموعة من الأوس رضي الله عنهم أجمعين، وقرروا القيام بهذا الأمر، وبالفعل خرجت هذه السرية وذهبت إلى كعب بن الأشرف وبطريقة فيها تفصيل لا يسمح المجال بذكره هنا، استطاعوا أن يستخرجوا كعب بن الأشرف بحيلة من داخل حصنه، وقاموا بقتله كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك تخلصت الدولة الإسلامية من أحد ألد أعدائها كعب بن الأشرف.



تعليقات على موقف النبي صلى الله عليه وسلم
من يهود بني قينقاع 
وقتل كعب بن الأشرف وحده دون قبيلته


هناك تعليقان على هذا الموقف:
التعليق الأول: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قتل كعب بن الأشرف وحده دون قبيلته، بينما أخرج قبيلة بني قينقاع بكاملها عندما خالفت، فالفرق بين الموقفين: أن قبيلة بني قينقاع أولاً كانت تجاهر بالعداء كقبيلة، والموقف بعد بدر كان واضحاً، وصراعها مع الرسول صلى الله عليه وسلم كان معلناً، بينما قبيلة بني النضير لم تجاهر بهذا العداء إلى هذه اللحظة، بل بعد قتل كعب بن الأشرف جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تقر العهد وتطيل المدة.

إذاً: الفرق بين القبيلتين: أن قبيلة بني قينقاع كانت معادية كقبيلة كاملة، والأخرى أحد أفراد القبيلة هو الذي كان يعادي، والسيئة عند الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعم.


التعليق الثاني على موقف بني قينقاع وموقف كعب بن الأشرف: هو وضوح مدى الانحراف الجنسي عند اليهود، ومدى إثارة الغرائز واستخدام ذلك للإفساد في الأرض، ففي قصة المرأة المسلمة حاولوا أولاً كشف وجهها، ثم بعد ذلك كشفوا عورتها، وفي قصة كعب بن الأشرف أخذ يتحدث عن نساء الصحابة رضي الله عنهن أجمعين بالفاحشة، وبكلام لا يستقيم أبداً لإنسان صاحب فطرة سليمة.


إذاً: هذه كانت طريقة من طرق اليهود، كانوا يستخدموها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل عهده وبعد موته، فقد فشا فيهم الزنا حتى قال صلى الله عليه وسلم: (أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) وهذا ينشأ عامة في تاريخهم، وإلى الآن معظم وسائل الإعلام والسينما والمواقع الإباحية والبرامج والأفلام الجنسية تمت بصلة كبيرة إلى اليهود، فأكثر من 50% من وسائل الإعلام يملكها اليهود، وأكثر من 80 أو 90% من الإعلانات التي تقدم خلال هذه الوسائل من برامج وأفلام وغيرها تقوم في الأساس على إثارة الغرائز الجنسية وعلى النساء، ولابد أن ينتبه المسلمون لهذه النقطة.

إذاً: بعد موقف النبي صلى الله عليه وسلم من بني قينقاع ومن كعب بن الأشرف استقر الوضع داخل المدينة المنورة نسبياً، وأصبح الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه قوةً كبيرة جداً داخل المدينة المنورة، وأعلن معظم الناس الإسلام في المدينة، نعم.

منهم منافقون، لكن الذي يحكم المدينة المنورة حكماً تاماً كاملاً هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لذلك خاف اليهود من المسلمين بعد الموقف الحاسم الذي حصل مع بني قينقاع، وبدأ بنو النضير وبنو قريظة يتربصون بالمسلمين.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق