الجمعة، 29 مارس 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 8- هجرة الحبشة الأولى-1



الدرس الثامن : هجرة الحبشة الأولى


عادة ما تتطلب الدعوات وهي تعيش على المحك بين حياتها وموتها إلى قرار صعب يقلب الموازين لصالحها، ومن هذا الباب اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه قرار الهجرة إلى الحبشة، ذلك البلد البعيد الذي يحكمه ملك عادل، أمر بالهجرة أشراف أصحابه؛ لضمان سلامتهم، وحسن استقبالهم، ومن أجل إنصات الناس هناك في الحبشة لدعوتهم.


أسباب الهجرة إلى الحبشة والحكمة منها


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثامن من دروس السيرة النبوية المطهرة.


تحدثنا عن أساليب الكفار في صد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين عن طريق الدعوة والإسلام، وعن ثبات المؤمنين وصبرهم على التعذيب الشديد الذي حدث في أرض مكة في بيت الله الحرام، حيث تفرغ الكفار لحرب المؤمنين، وبدا واضحاً أن النية هي الاستئصال للطائفة الوحيدة التي تعبد الله حق العبادة على الأرض.

مسئولية ضخمة تقع على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتْباعه: أن يصلوا بهذا الدين إلى أهل الأرض جميعاً، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لكم خاصة وللناس عامة)، وقد اشتد التعذيب بالمؤمنين في مكة، وكاد المسلمون أن يستأصلوا بالكلية، حينها يظهر حل عملي لإنقاذ الدعوة من الهلاك، وهو نوع من الأخذ بالأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخطط تخطيطاً بشرياً لإنقاذ الدعوة ولإنقاذ المؤمنين.

كان من الممكن أن ينقذ الله عز وجل حبيبه ومن معه من المؤمنين بكلمة (كن) فيكون، أو ينقذهم بمعجزة خارقة للعادة، ولكن ليست هذه سنة الله عز وجل في التغيير، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نأخذ بالأسباب الواقعية التي كانت في يده كبشر، وهي في أيدينا الآن كبشر، ففكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسيلة جديدة لمجابهة طغاة مكة، ولم يكن في مقدور المؤمنين آنذاك أن يقاتلوا المشركين، فقد نهاهم الله عز وجل عن ذلك بقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106].


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق