الاثنين، 25 مارس 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 1- السيرة وبناء الأمة -5


قواعد في دراسة السيرة النبوية


السيرة معين لا ينضب، وفي كل زمن ينظر المفكرون في هذه السيرة يستخرجون منها الجديد، مع أن الحدث نفسه قد فكر فيه من قبل آلاف من المفكرين والمحللين، إلا أن هناك أثراً ملحوظاً من أحداث السيرة النبوية، وهدفاً كبيراً نحن نفكر فيه، وهو إعادة بناء الأمة الإسلامية بدراسة السيرة النبوية المطهرة المشرفة، وأي دراسة للسيرة سنخرج منها بفوائد، لكن نحن نريد أن نضع بعض القواعد التي لو جعلناها نصب أعيننا أثناء دراسة كل حدث سنستفيد استفادة أكبر وأعمق، وسنضع لهذا الأمر أربع قواعد، فكل حدث حاول أن تلاحظ فيه هذه القواعد، وكل موقف يمر عليك جرب أن تطبق عليه هذه القواعد.


السيرة النبوية المصدر الثاني للتشريع في دين الإسلام


القاعدة الأولى: أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الدين الإسلامي؛ إذ المصدر الأول بلا جدال هو القرآن الكريم، والمصدر الثاني هو السنة المطهرة.
والسنة: هي كل قول أو فعل أو تقرير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
بمعنى: أن أي فعل فعله أحد الصحابة وأقره عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن سكت عنه أو استحسنه فهو من السنة المطهرة، وليس من الممكن أن تعرف السنة من غير دراسة السيرة النبوية.


إذاً: مصادر التشريع الرئيسية هي القرآن والسنة، وهناك مصادر أخرى كثيرة، مثل: الإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب والعرف إلى مصادر كثيرة اختلف الفقهاء في ترتيبها، لكن لم يختلف أحد في أن القرآن هو المصدر الأول والسنة هي المصدر الثاني، وليس عنهما بديل.

السنة في غاية الأهمية في التشريع الإسلامي، وكذلك السيرة لا بد منها لفهم السنة في التشريع الإسلامي، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، من غير السيرة ومن غير السنة لن تستطيع أن تفهم القرآن الكريم.


عندما نمر على حدث من أحداث حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نمر على أمر من الأمور التشريعية في الدين الإسلامي لحياة المسلمين؛ لأننا ندرس في السيرة الدين، فليست دراسة السيرة مجرد شيء لطيف نقرؤه، أو نتسلى بقراءته، أو مجرد سيرة رجل عظيم، هذا هو دينك، هذا هو الذي ستقابل به الله سبحانه وتعالى وسيسألك عنه، ولو فهمت السيرة بشكل صحيح وطبقتها ستقابل ربك بوجه حسن، وبعمل صالح.


ثم أحذركم من طائفة بعضهم من المسلمين تشك في أمر السيرة النبوية، وتزعم أنها تكتفي بالقرآن الكريم، وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الطائفة في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل منكم متكئ على أريكته يُحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي حرم الله).


ونحن أيضاً نقول لهم: استمعوا إلى كلام الله عز وجل في القرآن الكريم الذي تؤمنون به، يقول الله عز وجل في كتابه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80].
ويقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] أي: يحكموك أنت يا محمد {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفرقون بين قرآن وسنة، أما لو كان أحد لا يؤمن بالقرآن أصلاً وبأوامر القرآن فلا داعي للكلام معه، إذ الأمر معه منقطع.


إذاً: فكل حدث في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون أمراً تشريعياً، حتى وإن كان جزئياً من الدين، لا بد أن تنتبه له لكي تطبقه، وإذا لم تطبقه فلعلك أن تضل وتبعد، ثم يقال لك: سحقاً سحقاً.


التعرف الصحيح على شخصية النبي صلى الله عليه وسلم


القاعدة الثانية: هي التعرف على شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، نريد أن نعرف من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو خير البشر أجمعين، وخاتم المرسلين، وسيد الأولين والآخرين هو أعظم شخصية سارت على هذه الأرض منذ بدء الخلق وإلى يوم القيامة، فهو شخصية جديرة بالدراسة، وهناك أشياء كثيرة نريد أن نعرفها عن شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونضعها في أذهاننا بوضوح عند كل موقف من مواقفه صلى الله عليه وسلم.


أهم شيء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو أنه رسول من عند رب العالمين.
لقد شاء الله عز وجل ألا يكلم عباده في الدنيا كفاحاً، وأبقى ذلك نعيماً لمن دخل الجنة، وشاء كذلك أن يخاطب عباده عن طريق رسول من البشر، ومن كل الخلق اختار محمداً صلى الله عليه وسلم ليبلغ الناس الرسالة العالمية عنه سبحانه وتعالى.


إذاً: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقيقته ما هو إلا ناقل عن رب العزة سبحانه وتعالى، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، وعلى هذا القدر من الأهمية يجب أن يؤخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا القدر من العظمة يجب أن تؤخذ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه السيرة هي النموذج العملي التطبيقي الذي رسمه الله عز وجل لخلقه كي يقتدوا به ويقلدوه.


والسيرة هي المنهج الذي نمشي عليه، وهي الدليل في الصحراء، ومن غير الدليل سوف نهلك لا محالة.
فلو ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل فعلاً ما، فهو ما أراده الله عز وجل منا، حتى لو كان هذا الفعل من النوافل! فهي ليست من اختراع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهناك من يظن أن الظهر فرضه ربنا سبحانه وتعالى علينا أربع ركعات، ثم اجتهد الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أربع ركعات قبلها وأربع ركعات بعدها، الأمر ليس كذلك، فالله عز وجل قد شرع للفرائض رواتب من السنن جاءت قبله وبعده، وجعل هذه فرضاً وجعل هذه نافلة، وكل شيء في الأخير مرده إلى الله سبحانه وتعالى.


حتى لو اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ما خلاف الأولى، حيث كان من المفروض أن يختار كذا، ولكنه اختار رأياً آخر أقل منه درجة، فإن الوحي يأتي ليعدل المسار ويختار لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاختيار الأكمل، الذي يصلح لهذه الأمة في زمانه وإلى يوم القيامة.


إذاً: دراسة السيرة من هذا المنظور تعطي لها قدراً عظيماً جداً من الأهمية، نحن لا ندرس أي شخصية، نحن ندرس شخصية رسول من رب العالمين، وليس فقط أي رسول! بل خير الرسل وخاتم النبيين.

هذه القاعدة الثانية من القواعد التي من المفروض أن نضعها في أذهاننا عند كل حدث من أحداث السيرة النبوية؛ لأننا نتعامل مع وحي من رب العالمين.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق