الجمعة، 29 مارس 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 7- تربية الثبات-5



نتائج الابتلاء في العهد المكي وفي كل عهد


ما حصل في مكة ليس غريباً؛ لأن حرب الحق والباطل سنة من سنن الله عز وجل، ستبتلى الأمة المؤمنة بصفة عامة، وسيبتلى كل فرد من أفرادها بصفة خاصة، لن يكون هناك أي استثناء، يقول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، لابد من ابتلاء ولابد من فتنة؛ حتى تحدث ثلاثة أشياء مهمة نتيجة هذا الابتلاء: تنقية وتربية وتزكية.


الأمر الأول: التنقية، تنقية الصف المسلم، ما أسهل أن يقول المرء بلسانه: آمنت وصدقت وأيقنت، لكن ما أصعب العمل، لابد من اختبار وإيذاء الدعاة والملتزمين بنهج الله عز وجل ونهج رسوله الكريم، هذه سنة ماضية لتنقية الصف المؤمن من المنافقين {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3]، وإلا لقال كل الناس: نحن مسلمون، نحن مجاهدون في سبيل الله، لكن لابد من ابتلاء حقيقي وشديد.


الأمر الثاني: التربية، يريد ربنا سبحانه وتعالى لهذه الأمة أن تقود العالمين، وقيادة العالمين تحتاج إلى طراز فريد من البشر لا يهتز أمام العواصف، والابتلاء برنامج تدريبي متدرج للمؤمنين، يرتفع بمستوى المؤمن يوماً بعد يوم، وكلما عظمت مهام المؤمن ازداد بلاؤه؛ ليزداد إعداده كالذهب كلما اصطلى بالنار كان أنقى، وهكذا المسلم الصادق يخرج من الابتلاء أقوى وأعظم.


هذه أشياء رأيناها في التاريخ، ورأيناها في الواقع، وستظل إلى يوم القيامة سنة من سنن الله عز وجل.


الأمر الثالث: التزكية، أي: التطهير من الذنوب والخطايا، أحيانًا يحب ربنا إنساناً ويريد أن يرفع درجته، وهذه الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه سبحانه وتعالى فيصبر، فيبلغ الدرجة العالية: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، إذا كانت الشوكة تعمل هكذا، فما بالك بالضرب والجلد والحبس والتعذيب.
هذا كله مصلحة للمؤمنين.


إذاً: تنقية للصف المسلم، وتربية للصف المسلم، وتزكية للصف المسلم، لابد لها من ابتلاء، وسيظل الابتلاء إلى يوم القيامة.






أسباب صبر الصحابة على الأذى في العهد المكي


كانت السمة المميزة لجميع الصحابة: الصبر على الأذى وتحمل الاضطهاد في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسلمين أن يردوا عن أنفسهم ذلك الأمر؛ للأمر الصريح من الله عز وجل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106]، وكان المشركون يعذبون ويشردون ويذبحون والمسلمون صابرون، بل أمروا ألا يردوا إيذاء، ولا يحملوا سلاحاً، ولا يرفعوا ضيماً، ولا يكسروا صنماً، ولا يسبوا مشركاً، {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]،

قتل ياسر وقتلت سمية والرسول صلى الله عليه وسلم يمر من أمامهم وهم يقتلون فيكتفي بقوله: (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة)، ولم يمسك بيد أبي جهل ولم يجمع الصحابة ليقوموا بثورة أبداً.

نحن نريد أن نقف هنا وقفة، هي: كيف تعلم الصحابة الصبر؟ كيف يمكن لرجل يوضع على النار ويحرق أن يتحمل كل هذه الآلام ولا ينتقم لنفسه، وهو في الأخير جسد وعظم ودم ولحم وروح مثل كل الناس؟! نحن لا ندرس السيرة من أجل أن نحكي حكايات لطيفة عن جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لا، بل نحن ندرسها حتى نفهم كيف وصلوا إلى هذا المستوى؟ ونعرف كيف نقلدهم؟ هناك طرق سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعلم الصحابة، فدين الإسلام ليس فيه ضلالات أو أوهام، فكل شيء فيه واضح.

أنا سأخبركم عن بعض الأساليب والأسباب التي جعلت الصحابة ومن بعدهم يتحملون هذه الآلام المضنية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الدعوة:




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق