الأربعاء، 27 مارس 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 4- بدء الوحي-6

فترة انقطاع الوحي


أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتيقن من النبوة؛ لذا أحب أن يأتي إليه جبريل مرة أخرى ليؤكد له أمر الرسالة، ويقول له ماذا يعمل، لكن حدث أمر غريب سبب قلقلاً كبيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد فتر الوحي وتأخر، وقد اختلف المؤرخون في الفترة التي فتر فيها الوحي، لكن أغلب الظن أنها كانت ما بين ثلاثة أيام إلى أربعين يوماً.


فمثل ذلك الانقطاع صدمة للرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو لم يتيقن بعد، ويريد أن يزيل عنه الشك، فقد كان يتوقع أنه عندما يرجع إلى الغار سيجد جبريل مرة أخرى، أو يأتي له في أي مكان آخر، لكن تأخر جبريل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج مراراً إلى الجبال لعله يلتقي جبريل عليه السلام، وازداد شوق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسالة التي يقول الله عنها: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5].


إن لم يكن الحامل لهذه الرسالة متشوقاً إليها فحملها سيكون صعباً جداً، بل لعله مستحيل، فارق كبير بين أن تبحث الدعوة عن رجل ليحملها، وبين أن يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها! 


عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ به الحزن مبلغه يأتيه جبريل عليه السلام فيقول له: يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يختفي وهكذا إلى مجيء اليوم الذي سيبتدئ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم رحلة النبوة والتبليغ والتبشير والإنذار.







بدء الرسالة والأمر بالتبليغ


يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، ثم نوديت، فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه حتى هويت على الأرض، فرجعت حتى أتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني، دثروني دثروني) يعني: غطوني، بعد هذا الحدث مباشرة نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] أي: المتغطي بثيابه: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، هذا أمر واضح بالرسالة والتبليغ والإنذار، حينها علم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول، عندها تغيرت حالة الرسول صلى الله عليه وسلم النفسية تماماً، وتحول من حالة الشك والحزن والاكتئاب التي كان يعيش فيها إلى حالة اليقين والعزيمة والإصرار والنشاط.


وكانت السيدة خديجة تطلب منه أحياناً أن يستريح ولو قليلاً، فيقول: (مضى وقت النوم يا خديجة)، الآن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف كل شيء، عرف تفسير كل الأشياء الغريبة التي مرت به في حياته، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، والرؤيا الصادقة، والرجل الذي جاءه في غار حراء، وبدأ الرحلة الطويلة، رحلة الدعوة إلى الله عز وجل، رحلة النبوة، رحلة البشارة والإنذار، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيات ولم يقعد إلى أن مات، قام وما ترك صغيراً ولا كبيراً، ولا سيداً ولا عبداً، ولا فرداً ولا قبيلة، إلا ودعاهم إلى الإسلام (مضى عهد النوم يا خديجة).






منهج الرسول صلى الله عليه وسلم
في اختيار من يبدأ بدعوتهم


أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصل بدعوته إلى كل إنسان على وجه الأرض، فبمن يبدأ؟ لكي نفهم منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار الناس الذين يبدأ بهم في الدعوة، لا بد أولاً أن نسأل هذا

السؤال
هل يؤمن الإنسان بقلبه أولاً، أم بعقله؟ يعني: إذا أردت أن تقنع إنساناً بفكرة ما هل من الأفضل أن يحبك أولاً بقلبه قبل أن يسمع الفكرة؟ بمعنى آخر: الحب أولاً أم الحجة؟ كلا الاثنين مهم، القلب والعقل مطلوبان.


من الصعب جداً على الإنسان أن يقبل فكرة ما من إنسان يكرهه أو لا يحبه، غالباً ما يدخل معه في جدل عقيم وحوار طويل، ومناقشة قد لا تنتهي بخير، بينما على الناحية الأخرى هو يتقبل الكثير من الأفكار ممن يحب، مع أن هذه الأفكار قد تكون غريبة، وهذا واقع ملموس في حياتنا، لذا إذا كنت تريد من الناس أن تسمع كلامك لابد أن تجعلهم يحبونك أولاً.


إن فكرة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة ومقنعة، إذا فكر فيها أي عقل سليم، ومع ذلك فالفكرة غريبة على أهل مكة، فقد مرت (600) سنة ليس فيها نبي، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، لذا استغرب الناس فكرة التوحيد على بساطتها ووضوحها، واستبعدوا فكرة أن يوجد رسول من البشر، كما في الحديث: (بدأ الإسلام غريباً).


فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بدعوته كل أهل مكة، بل كل أهل الأرض أجمعين، فبدأ بأكثر الناس احتمالاً وقبولاً للفكرة دون تردد؛ من أجل أن يكونوا قاعدة قوية للدعوة نفسها، وحتى يساعدوه في أمر الدعوة، فأكثر الناس قبولاً لفكرته هم أكثر الناس حباً له، فكان هؤلاء هم الذين سيبدأ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد شيء بالصدفة، كل شيء محسوب وعلى أساس ومنهج، وهذا المنهج لأهل الأرض أجمعين.
إذاً: الحب هو أول مرحلة من مراحل الدعوة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق