الخميس، 28 مارس 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 5- الدعوة سرا-5

ثمار الصديق الدعوية في الدعوة السرية إلى الإسلام


في اليوم الثاني من أيام الدعوة بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون لانتقاء عناصر جديدة.


ولنا وقفة مهمة مع حركة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان الصديق إيجابياً بدرجة لا يمكن وصفها، كان يتحرك بالدعوة وكأنها أُنزلت عليه، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحب الإسلام ويريد من الناس جميعاً أن يعرفوه، وفي نفس الوقت كان يحب كل الناس، وهذا الحب للدين وللناس نتج عنه حماسة دعوية على أعلى مستوى، ففي أول تحرك له أتى بمجموعة وليس فرداً، أتى بالأسماء الذين سأذكرهم، وأريدك أن تقف عند كل اسم وتتأمل صاحب هذا الاسم وتاريخ وقصة حياته، لتعرف ميزان الصديق عند الله عز وجل.


الاسم الأول: عثمان بن عفان.
قف وفكر في سيرة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وفي تجهيز جيش العسرة جيش تبوك، وشراء بئر رومة، وتوسعة المسجد النبوي، وخلافة المسلمين (12) سنة، حياة طويلة من الإنفاق والجهاد والدعوة والعلم والصيام والقيام وقراءة القرآن.
فـ عثمان بن عفان حسنة من حسنات الصديق رضي الله عنه وأرضاه.


الاسم الثاني: الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الثالث: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.
ولن أفصل في سيرة هؤلاء؛ فكل واحد منهم يعتبر علماً ومنارة من منارات الإسلام.
الاسم الرابع: طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه.
الاسم الخامس: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.


فهؤلاء الخمسة جميعهم من العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء لم يغيروا طعاماً أو شراباً، أو سكناً، وإنما غيروا ديانة وعقيدة، فمكة لها مئات السنين وهي تعيش في الشرك، فما ذلك الإقناع الذي كان عند الصديق حتى أقنع هؤلاء الخمسة العمالقة بأمر الإسلام؟ ما مقدار الصدق الذي في قلب الصديق رضي الله عنه وأرضاه حتى يهدي الله عز وجل على يده هؤلاء الخمسة العظام.


الغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلة بني تيم، قبيلة الصديق رضي الله عنه باستثناء طلحة بن عبيد الله فـ عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، لكن من المؤكد أن علاقات الصديق كانت بهم قوية جداً ووثيقة قبل الإسلام، ليس من المعقول أن يتعرف عليهم بالصدفة وفي وقت إسلامهم، وإنما من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حباً عظيماً، وبعد هذا يأتي الإقناع وتأتي الحجة.


ثم لو نظرنا إلى أعمار هؤلاء فـ الزبير بن العوام رضي الله عنه كان عمره (15) سنة، وعندما تسمع اسم الزبير بن العوام تعتقد أن عمره (40) أو (50) سنة.
وكان عمر طلحة بن عبيد الله (16) سنة.
وسعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم له تاريخ طويل وجهاد وفتوح وكان عمره حين أسلم (17) سنة.
أما عثمان بن عفان فقد كان كبيراً بالنسبة لهم، كان عمره حين أسلم (28) سنة.
كذلك عبد الرحمن بن عوف كان عمره حين أسلم (30) سنة.


كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق الضخمة في هذه السن المبكرة! فـ الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا فلا يزالون في المرحلة الثانوية، فهل أولادنا في المرحلة الثانوية عندهم من الوعي والإدراك وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير مثل هؤلاء؟ هل عندهم من القدرات التي كانت عند شباب الصحابة؟ والله إننا لنحزن عندما نرى أن بعض الشباب في هذه المرحلة العمرية الثمينة جداً فرغت عقولهم تماماً من كل ما هو ثمين أو قيم، ولو بحثت في عقولهم لم تجد إلا بعض الأغنيات والمسلسلات والمباريات، وقصات الشعر والفيديو ورسائل الموبايل مع أن كثيراً منهم نشئوا في بيوت مسلمة، ومن آباء وأمهات مسلمين، وربما نشئوا في بيئة إسلامية صالحة، لم يكونوا في بيوت كافرة كبيت الزبير بن العوام أو طلحة بن عبيد الله أو سعد بن أبي وقاص.


إذاً: أين المشكلة؟! نعم.
هناك دور كبير جداً راجع لفساد الإعلام والتعليم، لكن نحن أيضاً علينا جزء كبير، لعلنا لم نعط الشباب الوقت الكافي من حياتنا، أو أننا نستصغر عقولهم وأفكارهم، فينتهي من الثانوية والجامعة والجيش ويتزوج، وهو لا يزال أيضاً صغيراً، والبلوغ العقلي عندنا (40) سنة! وعند ذلك لا يعتمد على نفسه، ولا يعتمد عليه مجتمعه.


هذا الشيء في الحقيقة يحتاج منا إلى وقفة كبيرة جداً، الشباب إمكانيات هائلة، لو وقفت مع الشباب وأعطيتهم وقتاً وتربية وجهداً ستأخذ منهم كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الزبير و طلحة و سعد..وغيرهم. 


قد نتخيّل أن الصديق بعد هذا المشوار الطويل الضخم الذي أسلم فيه على يديه خمسة من أعظم عظماء الإسلام قد أخذ قسطاً من الراحة، لا، بل إنه في اليوم الثاني مباشرة أتى بمجموعة ثانية من العمالقة في الإسلام: أول اسم في اليوم الثاني: أبو عبيدة بن الجراح، أمين هذه الأمة، فهو حسنة من حسنات الصديق رضي الله عنه. 
الاسم الثاني: عثمان بن مظعون رضي الله عنه من كبار الصحابة، ومن أوائل المهاجرين إلى الحبشة.
الاسم الثالث: الأرقم بن أبي الأرقم ، وهذا الاسم يحمل معاني كثيرة. 

الاسم الرابع: أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه وأرضاه، زوج أم سلمة ، وكلاهما من أوائل من أسلم. 

أما قبائلهم: فـأبو عبيدة بن الجراح من بني الحارث بن فهر.
و عثمان بن مظعون من بني جمح.
و الأرقم بن أبي الأرقم و أبو سلمة بن عبد الأسد من بني مخزوم، اثنان من بني مخزوم القبيلة التي تتنازع لواء الشرف مع بني هاشم، كما لو كان أتى باثنين من عُقر دار الأعداء.


أيضاً هناك شيء غريب وهو أن بعض هذه الأسماء كانت لها علاقة مباشرة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فغريب أن يقوم الصديق ويدعوهم إلى الإسلام، لماذا لا يتركهم للرسول صلى الله عليه وسلم؟ فمثلاً الزبير بن العوام رضي الله عنه هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها. 


وأبو سلمة بن عبد الأسد ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ابن السيدة برة بنت عبد المطلب . وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه خال الرسول صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الثلاثة كان من المفروض أن يترك الصديق أمر دعوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم؛ بحكم قرابتهم منه، لكن الصديق يشعر بأن الدعوة دعوته؛ ولهذا فإنه لا يضيع الوقت ولا الفرص، ولو كل واحد منا شعر بأن الإسلام دينه ومسئوليته، وشعر بالغيرة الحقيقية على دين الإسلام سوف يحاول أن يوصله إلى قلب كل واحد يراه، حتى لو لم يعرفهم.

فهؤلاء هم المخلصون الذين نريد أن نقلدهم. لم يترك الصديق رضي الله عنه بيتاً؛ لأنه لم يكن يعاني من المرض الذي يعاني منه دعاة اليوم، يعلمون الناس الإسلام ولا وقت لأهلهم وهم أحوج الناس إليهم، لذا رجع الصديق رضي الله عنه إلى بيته وكلّم امرأته السيدة أم رومان رضي الله عنها، وكلّم أولاده: السيدة أسماء وسيدنا عبد الله بن الصديق رضي الله عنه فآمنا، أما السيدة عائشة رضي الله عنها فقد ولدت في الإسلام، والابن الأكبر عبد الرحمن تأخر إسلامه إلى عام الحديبية. 


أيضاً أعتق الصديق غلامه عامر بن فهيرة رضي الله عنه، بعد أن دعاه إلى الإسلام فأسلم، فأعتقه في سبيل الله، ودعا الصديق بلال بن رباح رضي الله عنه إلى الإسلام فأجاب، ثم اشتراه وأعتقه في سبيل الله.
حركة دائمة ونشاط لا يتخلله فتور من الصديق رضي الله عنه وأرضاه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق