الخميس، 19 فبراير 2015

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 37 - الطريق إلي مكة - 7


ومع أن العلاقة بين بني بكر وبين قريش معقدة إلا أنها دخلت في حلفها، وخزاعة مع أنها مشركة إلا أنها دخلت في حلف المسلمين، وهذا سيؤدي إلى شيء معين كما سنرى. وبنو بكر التي نتحدث عنها ليست قبيلة بني بكر بن وائل المشهورة؛ لأن بني بكر بن وائل هذه هي قبيلة من قبائل ربيعة، بينما بنو بكر التي نتحدث عنها هي بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة، وهي من مضر.


وكان بين بني بكر وبين خزاعة خلاف قديم جداً وثأر طويل، وهناك ضحايا قتلتهم خزاعة من بني بكر، وبعد مرور سنوات وسنوات على هذه الجريمة التي قامت بها خزاعة في حق بني بكر تذكرت بنو بكر ثأرها مع خزاعة، فأرادت أن تنتقم، وكان هذا بعد صلح الحديبية، فأغارت بنو بكر على خزاعة وقتلت منهم رجالاً بعد صلح الحديبية، ومعلوم بعد المعاهدة أن من أغار على خزاعة فكأنه أغار على الدولة الإسلامية، وموافقة قريش على إغارة بني بكر على خزاعة هذا نقض صريح لمعاهدة صلح الحديبية التي بينها وبين المسلمين.

ولو أن بني بكر أغارت على خزاعة قبل الحديبية لما أحدث ذلك أي نفع للمسلمين؛ لأن قبيلة مشركة أغارت على قبيلة مشركة أخرى ولا دخل للمسلمين، ولو أن هذا الأمر حدث بعد الحديبية مباشرة لعل المسلمين لم تكن لهم طاقة لغزو مكة أو فتحها، ولو ضبطت بنو بكر أعصابها ولم تخالف لما مُهّد الطريق للفتح، ولو وقفت قريش لبني بكر وعارضتها في ذلك الأمر واعتذرت للمسلمين لكان الموقف قابلاً للحل السلمي، ولكنَّ قريشاً أعانت بني بكر على حرب خزاعة في تهور عجيب. ولعل الموقف هذا لو تكرر ألف مرة مع قريش لن تأخذ هذا الرأي، ولن تعمل هذا العمل، لكنها مدفوعة لذلك من رب العالمين سبحانه وتعالى، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16].

فهجمت بنو بكر على خزاعة، وخزاعة غير مستعدة للقتال؛ لأن صلح الحديبية فيه هدنة والحرب موضوعة، لكن الخيانة متوقعة من المشركين. فعندما هجمت بنو بكر على خزاعة وقتلت من خزاعة رجالاً كثيرين، وخزاعة غير مستعدة للقتال، فما كان من خزاعة إلا أن تهرب إلى أقرب مكان آمن وهو الحرم المكي، ومساكن خزاعة في شمال مكة المكرمة قريبة جداً من الحرم، فبدأت قبيلة خزاعة تهرب رجالاً ونساءً وصبياناً إلى مكة المكرمة، ودخلت بالفعل داخل الحرم وبنو بكر تطاردها بالسلاح، وكان هذا الموقف كي يزيد تعقيد القضية؛ لأنه لو تمت المعركة في خارج الحرم لأمكن قريش أن تقول: لم نر شيئاً، وقد تزعم أن ذلك حدث رغماً عن أنفها، لكن كون بني بكر وخزاعة تدخلان الحرم ليتم القتال في داخله،


ومع أن قريشاً دائماً تحمي الحجاج وتحمي المعتمرين، وتفتخر على العرب أنها حامية الحرم وموفرة للأمان فيه، إلا أن قريشاً في تهور عجيب لم تكتف بالمراقبة، بل أعانت بني بكر بالسلاح لقتل خزاعة، والكلام هذا غير مبرر؛ لأن خزاعة ليس بينها وبين قريش مشاكل، ولا توجد أي علاقة للمسلمين بالقضية، فتصرف قريش يعتبر تصرفاً غير سليم، لكن هذا يدل على أن الخيانة متوقعة من المشركين، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ((أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)) [البقرة:100]،

وهذا الذي رأيناه بالفعل، وهذه الخيانة تحدث منهم، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان وفياً تمام الوفاء معهم، حتى إن من جاء المدينة المنورة مؤمناً من مكة المكرمة رده الرسول عليه الصلاة والسلام مرة ثانية إلى قريش؛ ليطبق بنود المعاهدة، ورأينا ذلك عندما أعاد الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بصير إلى مكة المكرمة مع خطورة هذه الإعادة على إيمان أبي بصير، لكن الوفاء بالمعاهدة، ولم تفعل ذلك بنو بكر ولم تفعل ذلك قريش وخانت.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق