الجمعة، 4 أبريل 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 31- صلح الحديبية-4


بنود صلح الحديبية

صلح الحديبية: معاهدة من أربعة بنود، تعالوا لنرى كل بند هل هو في صالح المسلمين أم في صالح المشركين؟




رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الحديبية في عامهم ذلك دون دخول مكة

أولاً: البند الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرجعون من عامهم هذا فلا يدخلون مكة، وإذا جاء العام المقبل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثة أيام، ليس معهم إلا سلاح الراكب، ولا تتعرض لهم قريش، هذا البند الأول.

هل هذا البند في صالح المسلمين؟ رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا العام في صالح قريش؛ لأنه يحفظ لها نسبياً ماء وجهها، لكن قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم في العام المقبل، ودخول مكة دون مقاومة، بل وخروج أهلها منها وعدم التعرض مطلقاً لجيش المسلمين، هذا والله انتصار مهول للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، ونحن عندما نتذكر ما حدث للمسلمين في مكة صدق مدة ثلاث عشرة سنة من التعذيب والإبادة، ثم بعد ذلك الهجرة وفرار المسلمين بدينهم، وقد تركوا كل شيء في مكة، ثم نتذكر بدراً وأحداً وتجميع قريش للأحزاب وحصار المدينة منذ أقل من سنة واحدة، كل هذه المقاومة القرشية انهارات، وقبل المشركون بفتح باب دولتهم للمسلمين دون مقاومة، أي نصر للمسلمين؟! وأي رفع رأس للمسلمين في الجزيرة العربية بكاملها؟! وأي إراقة لماء وجه قريش وسط الجزيرة العربية؟! أين صقور قريش؟ أين السلاح والعتاد؟ أين العلاقات والأحلاف؟ أين الأموال والاقتصاديات الهائلة لقريش؟ أين كل ذلك؟ كل هذا ينهار أمام دولة المسلمين الناشئة.

إذاً: هذا البند بكل تأكيد في صالح المسلمين، ليس هذا فقط اعترافاً من قريش بدولة المسلمين، ولكن هذا اعتراف أن دولة المسلمين دولة قوية تفتح لها أبواب مكة، ويخرج أهلها منها، وهذا لم يحصل مع أي قبيلة في تاريخ مكة بكاملها، فقريش لم تخرج وتترك مكة المكرمة مفتوحة الأبواب ولا مرة لأي قبيلة من قبائل العرب مهما كانت قوية، وحصل هذا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهذا دليل على أنه أقوى من أي قبيلة في الجزيرة العربية في نظر قريش.

إذاً: هذا البند في صالح المسلمين.




وضع الحرب بين الطرفين مدة عشر سنين

البند الثاني: وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، فهذا البند في صالح من؟ من الذين يحتاج إلى وضع الحرب ويرغب في الأمان؟ أليس هم المسلمون؟ هذه بغية المسلمين، كان الأمان طلباً نبوياً قبل المعاهدة أصلاً قبل صلح الحديبية، لعلكم تذكرون الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لـ بديل بن ورقاء الخزاعي وذكرناه في الدرس السابق، قال: (فإن شاءوا ماددهم) يعني: كان هذا طلباً إسلامياً أن تحدث مدة بين المسلمين وبين المشركين.

إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يحتاج أن يقيم دولته ويؤسسها، أما دولة قريش فمقامة منذ مئات السنين، بينما دولة المسلمين الناشئة عمرها ست سنين فقط، وتحتاج إلى كثير وكثير من الإعداد والتأسيس، فهل ستكون الدعوة في الجزيرة العربية أسهل في جو الحروب والدماء والعداوات المتكررة أم ستكون أسهل في حالة الأمان؟ لا شك أنها في حالة الأمان أسهل، وهذا ما يريده المسلمون، فإنهم سيتحركون في كل مكان بسهولة آمنين من الحرب مع القبائل المختلفة أيضاً، وحركة المسلمين لدعوة القبائل البعيدة عن المدينة المنورة والقبائل القريبة من مكة المكرمة ستكون أسهل وأيسر، بخلاف ما إذا كانت الحرب معلنة بين المسلمين وبين قريش.

إذاً: الدعوة والحركة ستكون أسهل وأقرب إذا كانت الحرب موضوعة ولمدة عشر سنوات كاملة؛ لأن المسلمين سيتحركون ويدعون الناس إلى الإسلام، وتزداد قوتهم، والناس محتاجة إلى تعريفها بالإسلام، وبمجرد معرفة الإسلام معرفة صحيحة فإن الفطرة السليمة ستقبل الإسلام بلا تردد، وكانت القبائل خائفة من سماع شيء عن الإسلام؛ لأن كلمة الإسلام تعني حرب قريش، وقريش أعز قبيلة في العرب، فإن أمنت الناس حرب قريش سيدخل في الإسلام رجال ونساء وأطفال كثيرون، وهذا ما رأيناه فعلاً بعد صلح الحديبية بعد ذلك، كما سنتكلم عنه إن شاء الله.

إذاً: هذا البند بوضوح في صالح المسلمين، ولكن توجد هنا ملاحظة مهمة جداً، وهي أن المسلمين عندما عقدوا هدنة مع المشركين في ذلك الوقت لم يأخذوا كل حقوقهم، ولم ترد إليهم كامل حقوقهم، لا زالت هناك ديار منهوبة، لا زالت هناك أموال مسلوبة، لا زالت هناك أرض محتلة من القرشيين، ومع ذلك قبل المسلمون بالهدنة قبل أن ترد إليهم حقوقهم المسلوبة، لكن المسلمون في هذه المعاهدة لم يقروا قريشاً على أي حق مسلوب لهم عندهم، لم يقولوا: ديارنا وأموالنا وأرضنا كلها حق لكم، أبداً لم يقولوا هذا الكلام، وإنما وضعوا الحرب عشرة سنوات، وبعد هذه العشر السنوات سنطالب بحقوقنا وسنسعى لاسترداد كل ما سلب مني.

إذاً: إذا جلس المسلمون في صلح مع أعدائهم، وقبلوا بالهدنة دون إقرار العدو على حقوق مسلوبة هذا أمر شرعي، لكن إذا أقر المسلمون لعدوهم بحق المسلمين المسلوب هذا غير جائر وغير شرعي، ولا يمكن أبداً أن تقيس هذه المعاهدة التي قام بها صلى الله عليه وسلم بمعاهدات أخرى أقر فيها المسلمون لعدوهم بحقوق المسلمين، هذا شيء وما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم شيء آخر، وهناك فارق كبير بين معاهدة صلح الحديبية وبين المعاهدات التي قام بها المسلمون في عصرنا هذا مع اليهود، التي أقروا فيها لليهود بممتلكات إسلامية خالصة، فحذار أن يشبه أحد هذه المعاهدات الحديثة بمعاهدة صلح الحديبية، شتان بين المعاهدتين.

إذاً: البند الثاني من بنود صلح الحديبية في صالح المسلمين تماماً.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق