السبت، 22 مارس 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 30- الطريق إلى الحديبية-7


محاولة بعض شباب قريش منع الصلح مع المسلمين


لقد هزمت قريش هزيمة نفسية قاتلة، وبدأت تفكر تفكيراً جدياً في الصلح، لكن ما هي بنود الصلح؟ ما هي ظروف الصلح التي يفكرون فيها؟ كانوا قبل ذلك يرفضون الجلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم على طاولة المفاوضات؛ لأنهم لا يعترفون به أصلاً، وهاهم الآن حين رأوا هذه العزة العظيمة للمسلمين يتفاوضون معهم، وبدءوا يفكرون في الصلح، لكن هناك مجموعة من شباب قريش المتحمسين المتهورين أرادوا أن يقطعوا كل طريق للصلح، فقامت هذه المجموعة وهم حوالي (50) شخصاً من المشركين وعلى رأسهم عكرمة بن أبي جهل وكان وقتها مشركاً، قامت هذه المجموعة بالتسلل إلى معسكر المسلمين ليلاً ليقتلوا بعض المسلمين، وهم غرضهم أن يبدأ القتال ثم بعد ذلك ستكون الحرب الكبيرة بين المسلمين وبين قريش.


فما الذي حصل مع هؤلاء؟ لقد كانت هناك مجموعة من الحرس يحمون المسلمين، وعلى رأس الحرس محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأرضاه، فاعتقل محمد بن مسلمة هؤلاء الخمسين المشرك، فماذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع هؤلاء الخمسين؟ لقد أطلقهم صلى الله عليه وسلم جميعاً مناً بلا فداء؛ لإبداء حسن النوايا ولإبداء الرغبة في الصلح، كأنه يقول لقريش: هذه رغبة حقيقية عندنا فنحن لم نجئ للقتال إنما جئنا معتمرين، ويريد صلى الله عليه وسلم أيضاً الصلح والهدنة؛ لينتشر الإسلام في الجزيرة العربية بأسلوب سلمي، قال الله سبحانه وتعالى يصف هذا الموقف في كتابه الكريم: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح:24]، فقوله: {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح:24] يعني: بعد أن أخذتم هؤلاء الخمسين أسارى.




إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان
لمفاوضة قريش في الصلح

لقد أرسلت قريش ثلاثة رسل حتى الآن: أرسلت في البداية بديل بن ورقاء الخزاعي من خزاعة، وأرسلت بعد ذلك الحليس بن علقمة من بني الحارث بن كنانة، وأرسلت بعد ذلك عروة بن مسعود الثقفي من ثقيف، وهؤلاء الثلاثة من خارج قريش، أرسلتهم محاولة للتوسط بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام في كل مرة يبلغهم بشيء، لكي يوصلوه إلى مكة المكرمة، لكن إلى الآن لم تستمع قريش مباشرة إلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون هؤلاء الرسل لم يبلغوا الأمر بصورة مرضية؛ إما لشيء في صدورهم، أو سوء فهم لقضية من القضايا؛ فلذلك أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرسل رسولاً من المسلمين، يستطيع بواسطته أن يصل بالمعاني التي يقتنع بها المسلمون ويطالبون بها، يوصلها بوضوح إلى زعماء قريش؛ ليتجنب فتنة ليس لها أصل،

فالرسول صلى الله عليه وسلم فكر في إرسال سفير ورسول، فمن الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يرسله؟ أول من أراد أن يرسله إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وعمر بن الخطاب كما تعلمون رجل قوي مفاوض له حكمة وقوة ورأي سديد جداً، فهو في كثير من المرات ينزل القرآن الكريم موافقاً لرأيه رضي الله عنه وأرضاه، فيما عرف بموافقات عمر رضي الله عنه، ومما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يختار عمر بن الخطاب أنه كان في جاهليته سفيراً لقريش.

وكانت الزعامة في قريش موزعة على عشر قبائل، كل قبيلة عليها دور من الأدوار في قيادة مكة، والدور الموكل إلى بني عدي -التي هي قبيلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه- كان دور السفارة في قريش، والذي كان يقوم بهذا الدور من قبيلة بني عدي هو عمر بن الخطاب نفسه، فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبعث رسولاً قديماً من رسل قريش تعترف به كسفير، فهذا في غاية الأهمية وله عمق إستراتيجي واضح، فهذه كانت وجهة نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في إرسال عمر بن الخطاب رضي الله عنه،

لكن على غير المعتاد اعتذر عمر بن الخطاب رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه علم أن الأمر ليس وحياً، وإنما هو رأي من الرسول عليه الصلاة والسلام له أن يراجع فيه ويعرض رأيه، فعرض عمر بن الخطاب رأيه في منتهى الوضوح ومنتهى الصراحة وقال: (يا رسول الله! ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت) يعني: أنا من قبيلة ضعيفة، قبيلة بني عدي بطن ضعيف من بطون قريش، لو حصل وقتل عمر بن الخطاب فلن يتحرك له أحد، ثم قال: (فأرسل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق