الأربعاء، 10 أبريل 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 14- الهجرة إلى المدينة-8



مطاردة سراقة بن مالك للرسول صلى الله عليه وسلم
ومن معه أثناء الهجرة



رأى بعض المشركين القافلة وجاءوا إلى مكة يخبرونهم الخبر، فلعل الركب هم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فسمعهم سراقة بن مالك، وكان سراقة بن مالك يفكر في المائة الناقة التي هي لكل واحد من الاثنين، فخدع الناس، وقال لهم: هذا فلان وفلان أعرفهما، ومباشرة جهز فرسه وسلاحه وانطلق ليفوز بالجائزة الكبرى، واستطاع أن يصل إليهم، واقترب منهم، حتى إنه كان يسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن،


وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت -كما يقول سراقة كما جاء في البخاري - وأبو بكر يكثر الالتفات من خوفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما اقترب منهم حدثت المعجزة وبدأت الفرس تسيخ في الأرض مرة وثانية وثالثة، وعلم سراقة أن هناك شيئاً غريباً، يقول: فأدركت أن القوم ممنوعون.


فاقترب منهم وقد سألهم الأمان، وذكر لهم أمر المكافأة التي جعلتها قريش فيهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخف عنا)، وبعد ذلك قال له شيء في منتهى الغرابة، قال: (كأني بك يا سراقة تلبس سواري كسرى)، في هذا الموقف الصعب الذي يطارد فيه من أهل الأرض يبشر سراقة بانهيار عرش كسرى، وأنه سيأتي يوم يأخذ فيه المسلمون سواري كسرى غنيمة، وفي ذلك الوقت سراقة هو الذي سيأخذ هذين السوارين، وسراقة كان يصدق بهذا تماماً، إلى درجة أنه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاباً بهذا الأمر، حتى إذا مات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل هذا الشيء فسيكون معه الدليل الذي يأخذ به السوارين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عامر بن فهيرة أن يكتب له كتاباً، فكتب له على رقة من جلد، وعاد سراقة يبعد الناس عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول لهم: قد كفيتكم هذا الطريق.


كان أول اليوم جاهداً في مطاردة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي آخر اليوم كان مدافعاً عنه، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]، والغريب أيضاً أن سراقة مع إحساسه بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يسلم إلا بعد فتح مكة وحنين، ومرت الأيام وفتحت بلاد فارس وجاءت الغنائم في عهد عمر بن الخطاب وفيها سواري كسرى، فأخرج سراقة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمه لـ عمر رضي الله عنه، فأعطاه عمر رضي الله عنه سواري كسرى تنفيذاً لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].


خروج بريدة بن الحصيب ومن معه
لمطاردة الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة



لم تحصل مشاكل أخرى في الطريق إلا قبل المدينة المنورة، فقد فوجئ الرسول صلى الله عليه وسلم برجل اسمه بريدة بن الحصيب زعيم قبيلة أسلم، وقد خرج له في (70) من قومه، يريد المكافأة، ومع خطورة الموقف إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفقد أعصابه مطلقاً، بل بدأ يعرض الإسلام على بريدة وعلى قومه، وسبحان مقلب القلوب!


وقعت كلمات الله عز وجل في قلب بريدة وأصحابه، فآمنوا جميعاً في لحظة واحدة، فالرسول صلى الله عليه وسلم مكث سنين في مكة من أجل أن يأتي بهذا العدد (70)، وفي لحظة واحدة يؤمنون، الله عز وجل يخبرنا أن القلوب بيديه هو سبحانه وتعالى، يستطيع أن ينصرك في الوقت الذي يريده، لكن المهم أنك تعمل كما كان يعمل الرسول صلى الله عليه وسلم.


هناك أحداث أخرى كثيرة وهامة وعظيمة ولطيفة في الهجرة، لكن المقام لا يتسع لها، وقد ذكرنا كثيراً من ذلك في محاضرات: الصديق الصاحب والخليل، فلا داعي للتكرار.

وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة سالماً، وكان ذلك في يوم (12) من ربيع الأول سنة (14) من النبوة، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة وهامة في الدعوة الإسلامية، وهي مرحلة إنشاء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق