الاثنين، 1 أبريل 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 12- بيعة العقبة الأولى-3


دعوة النبي صلى الله عليه وسلم 
لقبيلة بني شيبان ونتائج ذلك


ج1

ذهب صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة غسان، وبني فزارة، وبني مرة، وبني سليم، وبني عبس، وبني نصر، وبني ثعلبة، وبني الحارث بن كعب، وبن عذرة، وبني قيس، وبني محارب، ذهب إلى كل هؤلاء وإلى غيرهم، فلم يقبل أي من هؤلاء الدعوة.


وليس هناك مشكلة؛ لأن مهمتنا ليست الهداية، ولكن البلاغ، لا يهم كم آمن على يديك، لكن المهم كم عدد الذين أبلغتهم أمر الإسلام، هذا هو الذي يحاسبك عليه ربنا، عملك وليس نتائجك.

المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصبه اليأس بعد أن انتهى من كل هذه القبائل، بل ذهب إلى قبيلة أخرى وهي قبيلة بني شيبان؛ وسنقف وقفة مع مباحثات الرسول صلى الله عليه وسلم مع بني شيبان.

قبيلة بني شبيان قبيلة كبيرة عزيزة تسكن في الشمال الشرقي لجزيرة العرب -يعني: قريبة من العراق-، ذهب إليها الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق، فبدأ أبو بكر أولاً يسأل: من القوم؟ قالوا: شيبان بن ثعلبة، بعد أن سمع أبو بكر هذا الاسم أسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! هؤلاء غرر الناس، من أعظم القبائل، وعندما سأل عن أسماء الحضور وجد فيهم أشراف بني شيبان: مفروق بن عامر، وهانئ بن قبيصة، والنعمان بن شريك، والمثنى بن حارثة.

وأبو بكر يعرفهم ويعرف تاريخهم، كما أنه حاد الذكاء فبدأ يستثير الحماسة والعزة عندهم، قال الصديق: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق وهو المتحدث الرسمي في الوفد: إنا لنزيد على الألف، ولن تغلب ألف من قلة، وهذا رقم كبير، ولا ننسى أن المسلمين كانوا في بدر (313) أو (314)، وكان الكفار ألفاً.


فأثاره أبو بكر أكثر وقال له: وكيف المنعة فيكم؟ أحس مفروق بالإهانة فعلاً، فرفع صوته وقال: إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى -يعني: في الحرب-، وأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى.
كلام في منتهى الحكمة والقوة، وهذا ما كان يريده الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أن يظهر العزة والكرامة التي عنده، حتى إذا ما طلب منه الوقوف أمام قريش لا يتراجع أو يتردد.

وكما أن مفروقاً كان منتبهاً لأسئلة الصديق، قال له: لعلك أخو قريش؟ أي: هل أنت الرجل الذي ظهر في قريش يدعو إلى دين جديد، يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأحب الصديق أن يكسب نقطة في الحوار، فقال له بمنتهى الذكاء: أو قد بلغكم أنه رسول الله؟! يعني: كأنهم متفقون على أنه رسول، وأمر واقع مسلّم به.
لكن مفروقاً كان ذكياً وانتبه لسؤاله فرد عليه وقال: قد بلغنا أنه يذكر ذلك.
لكن الحقيقة أنه كان رجلاً مؤدباً، وكل وفد بني شيبان كذلك، التفت مفروق للرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: وإلام تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم الرسول عليه الصلاة والسلام وبدأ يتكلم قال: (أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله، وكذبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد).

ويبدو أن مفروقاً أعجبه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يخاف من قريش، لكنه أحب أن يتعرف أكثر على الدين الجديد، قال: وإلام تدعو يا أخا قريش؟ فكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ له قرآناً، وعندما وجد الوفد أخلاقهم عالية، اختار لهم آيات قرآنية تحض على الأخلاق الحميدة، لكي يقف معهم على أرضية مشتركة، فقرأ لهم صلى الله عليه وسلم من سورة الأنعام


قول الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:151 - 153]

انبهر مفروق من حلاوة المعاني ومن حلاوة اللغة، وشعر بالإعجاز، وأحب أن يعرف أكثر، فقال: وإلام تدعو يا أخا قريش؟! قال صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على نفس الوتر : (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) (النحل : 90 ) تأثر مفروق بالقرآن، وقال في منتهى الصراحة: دعوت يا أخا قريش والله إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال.

ثم بدأ يشتم قريشاً، وأعجبه الإسلام كثيراً، حتى قال كما في رواية: إن هذا والله! ليس من كلام الأرض.

لكن مفروق زعيم من مجموعة من الزعماء، والقرار ليس بيده وحده، فأحب أن يسمع رأي أصحابه، فقال: وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا، ولما كان هانئ بن قبيصة صاحب خلفية دينية أوسع أحب أن يأخذ رأيه، فبدا أن هانئ بن قبيصة كان معجباً بالإسلام أيضاً، ولم يكن لديه أي اعتراض عليه، لكنه يخاف أن يأخذ قراراً مثل هذا يترتب عليه دخول بني شيبان في حرب ليس فقط مع قريش، ولكن مع كل العرب .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق