الاثنين، 1 أبريل 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 12- بيعة العقبة الأولى-6



لقاء الرسول بأصحابه في بيعة العقبة الأولى


مرت الأيام وجاء موسم الحج من السنة الثانية عشرة من البعثة، وأصبح الستة اثنى عشر، وجاءوا يقابلون الرسول صلى الله عليه وسلم.
الذي ينظر إلى عام الحزن والعام الذي بعده -العام العاشر والحادي عشر من البعثة- يرى أنه من المستحيل لأمة الإسلام أن تقوم إلا بعد قرون، لكن مجموعة صغيرة من الخزرج آمنت، وبعد سنتين فقط أصبح للمسلمين دولة! من الواضح أن النصر قد يكون قريباً مهما كانت الفجوة بينك وبين عدوك واسعة وكبيرة، لكن المهم أنك تمشي في الطريق الصحيح، والطريق الصحيح هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك ندرس السيرة.

جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع الاثني عشر مسلماً الذين جاءوا من يثرب، عشرة من الخزرج واثنين من الأوس، وبدأ معهم المفاوضات، وهذه المفاوضات عرفت في التاريخ بعد ذلك باسم بيعة العقبة الأولى؛ لأن المكان الذي تمت فيه كان عند العقبة، والأولى لأن هناك بيعة أخرى ستأتي بعد ذلك بسنة.

واتفق الرسول صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المسلمين، ولكن لم يطلب منهم النصرة والمساعدة كما طلبها من بني شيبان أو من بني عامر أو من غيرهم؛ لأنه يعرف أن القرار ليس بأيديهم في يثرب، ولا يريد أن يحملهم فوق طاقتهم، وفي نفس الوقت يربيهم لكي يحملوا هذه المهمة مستقبلاً، وفوق ذلك كان يريد أن يزيد من عدد المسلمين في يثرب، حتى يصل إلى المستوى الذي يمكنهم فيه من تحمل مسئولية الدفاع عن الإسلام.


بنود بيعة العقبة الأولى


يحكي لنا عبادة بن الصامت قصة البيعة، وكان من الذين شاركوا في هذه البيعة الهامة في تاريخ الإسلام، يقول عبادة: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، عرفت بذلك لأنها لم يشترط فيها جهاداً ولا حرباً.


وكانت بنود البيعة كالتالي: البند الأول: على أن لا نشرك بالله.
البند الثاني: ولا نسرق.
البند الثالث: ولا نزني.
البند الرابع: ولا نقتل أولادنا.
البند الخامس: ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا.
البند السادس: ولا نعصيه في معروف.
هذه هي الشروط التي على الصحابة.


والجزاء: (فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل، إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم).
البيعة بسيطة في ألفاظها وفي عدد كلماتها، لكنها عميقة في معانيها، فهي تضع قواعد لبناء المجموعة التي من الممكن أن تحمل مستقبل الأمة الإسلامية على كتفيها.

أول بند ذكره هو القضية الأساسية في الإسلام: أن لا نشرك بالله.
العقيدة الصحيحة، لا يقدم أمر على أمر الله عز وجل، لا بد أن يعرفوا ذلك من أول يوم.
أما البند الثاني والثالث والرابع والخامس في البيعة فهي بنود ذكرت لأجل هدف واحد، هو الارتفاع بأخلاق هذه الأمة إلى أعلى مستوى.
لا تقوم الأمة على أكتاف المترخصين في قضية الأخلاق، إن ضاعت الأخلاق ضاع كل شيء، ضاعت السياسة، والاقتصاد، والحكم، والقضاء، والمعاملات، وكل شيء.
إذاً: بعد بند العقيدة الأولى أتى بأربعة بنود من أجل قضية الأخلاق.

أما البند السادس فهو مهم ويحتاج إلى وقفة.
يقول جابر: ولا تعصوني في معروف.
وهذا البند يوضح شيئين لا تقوم أمة الإسلام من غيرهما:

الشيء الأول: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم عصيانه.
الشيء الثاني: أن هذه الطاعة لا تكون إلا في المعروف.
وهذا بند قد يستغربه بعض الناس؛ لأن من البدهيات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يأمر إلا بالمعروف، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يضع قواعد لمستقبل الأمة الإسلامية حتى يوم القيامة، فالذي يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في غيابه أو بعد موته لا بد أن يطاع، ولكن لا يطاع إلا في معروف، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وهذه قاعدة أصيلة في بناء الأمة الإسلامية.


جزاء أهل بيعة العقبة


أما عن الثمن في مقابل تنفيذ هذه البنود، فإنه لم يعدهم بمال ولا برئاسة ولا بوضع اجتماعي معين، ولا أمن وأمان، وإنما قال كلمة واحدة، ولا يوجد أحد يستطيع أن يحمل مهمة بناء الأمة الإسلامية إلا إذا كان غرضه في النهاية هذه الكلمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن وفيتم فلكم الجنة)، أما كل الأثمان الأخرى من مال ورئاسة وأمن وراحة فقد تأتي وقد لا تأتي، ليست هي القضية، وليست هي منتهى أحلام المؤمنين، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]، فقط الجنة.

وهنا يتضح الفارق الهائل بين مجموعة الأنصار التي بايعت هنا، وبين قبائل بني شيبان وبني عامر وغيرهم ممن اشترطت شروطاً معينة للإيمان، لكن مع كل التكاليف التي فرضت على الأنصار لم يكن هناك أي وعد بأي شيء إلا الجنة، ولذلك بارك ربنا سبحانه وتعالى في هذه البيعة، وكان آخرها دولة وسيادة وتمكيناً.
هذا هو ديننا.

عاد الاثنا عشر إلى يثرب، التي أصبح اسمها: المدينة المنورة عندما هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن حينها وهم معروفون باسم الأنصار، وبقي معهم هذا الاسم؛ لأنهم فعلاً الذين نصروا الدعوة، ونصروا الإسلام، ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصروا المهاجرين، وتغير حال المسلمين تماماً بعد إسلامهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق