الأربعاء، 10 أبريل 2013

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 14- الهجرة إلى المدينة-4


إلي بيت الصديق - رضي الله عنه -


خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في الظهيرة إلى بيت الصديق رضي الله عنه، وزيادة في التخفي غطى رأسه ببعض الثياب، ووصل إلى بيت الصديق من دون أن يراه أحد، فاستغرب الصديق من مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت، وقال: فداه أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، والصديق إلى الآن لا يعلم أنه سيهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الهجرة في هذا اليوم ليلاً، في نفس اليوم الذي جاء فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم فأذن له أبو بكر، فدخل، فوجد مع أبي بكر أهله، فقال له: (أخرج من عندك، فقال الصديق: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله -يعني: لا تخف منهم- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فإني قد أذن لي في الخروج)، يعني: الهجرة.

وانظروا إلى أول رد فعل للصديق رضي الله عنه وأرضاه، أول شيء كان يشغله أن يكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتخيل أن يبتعد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو للحظات، فقال أبو بكر عندما علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيهاجر: (الصحبة بأبي أنت يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم، الصحبة).

فرح الصديق بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة، ولم يتمالك نفسه من شدة الفرح، فبكى رضي الله عنه وأرضاه، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (فلم أكن أدري أن أحداً يبكي من شدة الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي)، هذا مع الخطورة المعروفة في هذه الرحلة، لا شك أن الصديق رضي الله عنه كان يقدر خطورة الموقف، وأنه سيكون من المطلوبين بعد ذلك وقد يقتل، لكن كل ذلك لم يؤثر فيه مطلقاً؛ لأن الشيء الوحيد الذي كان يهمه أن يكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يحب الرسول صلى الله عليه وسلم حباً شديداً، وتهون أمامه كل المصاعب ويبقى إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقبل أن يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف سنهاجر، قال الصديق رضي الله عنه وأرضاه: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.

من قبل أن يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيهاجر معه كان قد جهز راحلتين، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الراحلة، ولكنه قال للصديق: بالثمن، ودفع ثمن الراحلة للصديق رضي الله عنه.

لا شك أن الصديق كان إنساناً وكان تاجراً وكان أباً وكان زوجاً وكان كذا وكذا وكذا، مثل أي شخص بيننا، لا شك أن عنده أشياء كثيرة تشغله وتعطله مثل أي إنسان، لكن الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان يعطي للعمل لله عز وجل القدر الحقيقي، من أجل ذلك كان يجد وقتاً وطاقة؛ لأنه يريد أن ينفذ ما أمره به ربنا عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الإنسان الذي عاش للإسلام، فـالصديق رجل عاش للقضية الإسلامية، حياته كلها في خدمة هذا الدين، أوراقه كلها مرتبة لمصلحة الإسلام، الأوليات عنده واضحة، وهذه من أهم الدروس التي ممكن أن نتعلمها من الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أننا نضع الإسلام وواجبات الأمة في المرتبة الأولى من الأولويات لدينا.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق