السبت، 13 ديسمبر 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 35- قوة الإسلام-9

مظاهر قوة المسلمين في عمرة القضاء
ج2



خامساً: صلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالمسلمين الصلوات الخمس في الأيام الثلاثة بصورة جماعية في الحرم، وتصور صلاة ألفين من الرجال غير النساء والصبيان بطريقة واحدة بتكبير وتحميد، وبقيادة منظمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الصورة باهرة لكل الناس، والمشركون لأول مرة يرون مثل هذا التجمع الضخم يصلي في الحرم بهذه الصورة.


سادساً: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن من فوق الكعبة، فكانت هزة نفسية عميقة للمشركين، فهم رأوا بلالاً الحبشي الذي كان يُباع ويشترى، بل ويُعذّب في شوارع وصحراء مكة، وكانوا يربطون الحبل في عنقه ويسيرون به في شوارع مكة يسخرون منه، وكان يُعذّب بالصخرة العظيمة على ظهره، فهذا الرجل الذي لاقى الأمَرَّين من أهل مكة ومن زعماء مكة، هاهو الآن يصعد فوق الكعبة، فوق أعظم مكان في الأرض بعد أن أعزّه الله عز وجل بالإسلام فيرفع أذان المسلمين، فهذا الفعل هز قريشاً من الأعماق، وراجع كلمات الأذان بما فيه من مواطن عزة كثيرة جداً من تكبير لله عز وجل، وشهادة بوحدانية الله عز وجل، وشهادة بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم .. إلى آخر كلمات الأذان، فهي كلمات تلقي الرهب والجلال في قلب كل من يشاهد ذلك من غير المسلمين.


سابعاً: تعامل الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام أمام المشركين، حيث رأوا بأعينهم خضوع الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا مدى التوقير والإجلال له، وسمعوا قبل هذا ما قاله لهم عروة بن مسعود الثقفي في يوم صلح الحديبية، فهم في هذا الوقت يرون بأعينهم، فعلموا وتأكدوا أن الصف الإسلامي صف موحد قوي طائع بكامله لزعيم واحد هو الرسول صلى الله عليه وسلم.


ثامناً: ختم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصورة البهية القوية بزواجه من السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وفي هذا الزواج الدليل على أنه يعيش حياة طبيعية جداً في مكة، لا يخاف ولا يترقب ولا يعيش في ظروف غير طبيعية، بل يتزوج ويحتفل ويقيم العرس في يسر وسهولة لا تخلو من حكمة سياسية رائعة، فقد دعا المشركين لحضور الحفل وللأكل من الوليمة، لكنَّ المشركين رفضوا ولم يقبلوا ذلك، فقد فهموا رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفهموا أنه يتصرف في مكة وكأنها بلده وليست بلدهم، بالإضافة إلى أن السيدة ميمونة بنت الحارث من قبيلة بني عامر العزيزة جداً، فقبيلة بني عامر كانت تفتخر على العرب أنها من القبائل التي لم يسب منها امرأة واحدة ولم يؤخذ منها أسير، فهذا إعلان ارتباط بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين قبيلة قوية عن طريق النسب، وبهذا تتناقص الأرض من حول المشركين،


تاسعاً: فإذا أضفت إلى ذلك أن السيدة ميمونة بنت الحارث خالة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وفي ذلك الوقت كان لا يزال مشركاً، وهي أخت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، وكانوا يقولون: إنها من أعظم الناس أصهاراً؛ لأن علاقتها الإنسانية في مكة كبيرة ومتشابكة جداً، فهذا زواج سياسي اجتماعي دعوي حكيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي توقيت في غاية الحكمة.


عاشراً: هذا الزواج كان له أبلغ الأثر على مشركي مكة، وقد حاول الرسول عليه الصلاة والسلام أن يظهر به قوة المسلمين وبأس المسلمين أمام مشركي قريش، فتلك عشرة كاملة. بهذه الأمور ارتفعت مكانة المسلمين إلى السماء، وظهرت عزة المسلمين، وكانت هذه العمرة من أجل وأعظم الأعمال في هذه السنوات السبع الأخيرة، وعُرفت هذه العمرة بأسماء كثيرة جداً، منها: عمرة القضاء، عمرة القضية، عمرة القصاص، عمرة الصلح، وهذه كلها أسماء لنفس العمرة التي كانت في سنة سبع.


وتابع الرسول عليه الصلاة والسلام سراياه إلى مناطق غطفان من جديد بعد عمرة القضية، فقد أرسل إليهم سريتين: إحداها: في ذي الحجة في السنة السابعة للهجرة، والأخرى: في صفر في السنة الثامنة للهجرة، وواصل سياسة الضغط على غطفان حتى تلين قناة غطفان، وحتى يعرفوا جدية وبأس المسلمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق