السبت، 13 ديسمبر 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 35- قوة الإسلام-12

كيفية إسلام خالد بن الوليد
ج2



لكن هناك شيء آخر أيضاً أثر في خالد كثيراً، وهو أن خالد بن الوليد عندما رأى جيش المسلمين داخل مكة المكرمة للعمرة في العام السابع من الهجرة، لم يستطع أن يحتمل هذا المنظر في بدايته، وخرج من مكة وتركها، وكان له أخ اسمه الوليد بن الوليد رضي الله عنه وهو من الصحابة الذين دخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة للعمرة، فعندما دخل بحث عن أخيه خالد بن الوليد ليخبره عن أمر الإسلام فلم يجده، فكتب له كتاباً قال له فيه:


بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد: فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك، ومثل الإسلام جهله أحد؟ ثم كتب كلاماً عجيباً بعد ذلك، قال: وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك فهذه الكلمات كانت من أبلغ الكلمات أثراً في إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه. قال له أخوه الوليد بن الوليد: (وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك قال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال: ما مثله جهل الإسلام؟).


أي: كيف لـ خالد الذي له هذا العقل الراجح ألا يفكر في الإسلام، ثم قال كلمة جميلة قال: (ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له، ولقدمناه على غيره)، أي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يخبر عن خالد أنه لو أضاف قوته إلى قوة المسلمين لقدمه على غيره، فهو قائد، وفارس عظيم، فإضافة هذه القوة إلى قوة الإسلام تجعل له السبق على المسلمين، وإن سبقوه قبل ذلك بدخول الإسلام. فهذه الكلمات وصلت إلى قلب خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وهو تأليف عظيم جداً من الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم لقلب خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهذا استغلال لإمكانياته ومواهبه رضي الله عنه وأرضاه.


هذه هي الحكمة الحقيقية. ثم يقول الوليد بن الوليد رضي الله عنه: (فاستدرك يا أخي ما فاتك، فقد فاتتك مواطن صالحة)، وهذا تحميس لخالد بن الوليد ألا يضيع وقتاً آخر. فوقعت هذه الكلمات في قلب خالد بن الوليد، فكان رد خالد بن الوليد عندما قرأ الجواب أن قال: (فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرني مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال خالد رضي الله عنه: وكنت أرى في النوم كأني في بلاد ضيّقة، فخرجت إلى بلد أخضر واسع، فقلت: إن هذه لرؤيا .. )


وبعد هذا فهم تفسير الرؤيا أنها خروج من الشرك إلى الإيمان، فعندما أجمع خالد بن الوليد أن يخرج إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مهاجراً من مكة إلى المدينة المنورة قال: (من أصاحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب! أما ترى ما نحن فيه؟ إنما أكلة رأس) أي: أننا مجموعة قليلة جداً من الناس يكفيها رأس من الإبل للأكل فقط؛ لأن الأرض تتناقص من حول قريش، ثم قال: (وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه؛ فإن شرف محمد على العرب شرف لنا، فأبى صفوان أشد الإباء وقال: لولم يبق غيري من قريش ما اتبعته أبداً)،


وذلك أن صفوان بن أمية موتور، فقد قُتل أبوه أمية بن خلف في بدر، ولقد كان إسلام صفوان بن أمية بعد فتح مكة. المهم أن خالد بن الوليد يريد أن يصاحب رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما سمع هذه الكلمات من صفوان بن أمية قال: هذا رجل موتور قد قُتل أبوه وأخوه ببدر، بعد هذا قابل عكرمة بن أبي جهل وعرض عليه نفس الكلام، فقال له مثل ما قال صفوان ورفض تمام الرفض، وأيضاً قال خالد نفس الكلام: إنه رجل موتور قتل أبوه أبو جهل، لكن خالد بن الوليد لم ييأس، إنما ذهب إلى عثمان بن طلحة رضي الله عنه، وكان في ذلك الوقت مشركاً، فقال له نحواً مما قال لصاحبيه، فكما يقول خالد: فأسرع عثمان بالإجابة.


أي: أنه قبِل فكرة الإسلام، واتفق الاثنان على الخروج إلى المدينة المنورة وتواعدا، وخرجا إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامهما بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي الطريق قابلا عمرو بن العاص. إذا: هذه هي كيفية إسلام خالد رضي الله عنه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق