السبت، 13 ديسمبر 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 35- قوة الإسلام-14

كيفية إسلام عمرو بن العاص
ج2



أسلم عمرو بن العاص وكتم إسلامه عن أصحابه وتركهم وعاد إلى الجزيرة العربية بعد ذلك، وعاد وهو ينوي الذهاب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لإعلان الإسلام بين يديه، ووصل إلى مكة المكرمة ومكث فيها قليلاً، ثم خرج بعد ذلك في اتجاه المدينة المنورة، وفي حال خروجه إذا به يقابل خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة، فسأل عمرو خالد بن الوليد قال له: أين أبا سليمان؟ فقال خالد في منتهى الصراحة والوضوح: والله لقد استقام المنسم.


أي: وضح الطريق، ثم قال: وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأُسلم، فحتى متى؟ قال عمرو بن العاص: قلت: والله ما جئت إلا لأُسلم، وتحرك الثلاثة من مكة إلى المدينة المنورة، حتى وصلوا إلى منطقة الحرة، وهناك عند منطقة الحرة أناخوا ركابهم وبدءوا يستعدون للقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: فلبست من صالح ثيابي، ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وعند ذهابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لقيه أخوه الوليد بن الوليد رضي الله عنه فقال: (أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُخبر بك فسُر بقدومك، وهو ينتظرك، قال: فأسرعت المشي فطلعت عليه، فما زال يتبسم إليّ حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد عليّ السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى الخير، قلت: يا رسول الله! قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق، فادع الله أن يغفرها لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما كان قبله، قلت: يا رسول الله على ذلك؟ فقال: اللهم اغفر لخالد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك)،


قال خالد: ثم تقدم عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، ودار بين عمرو بن العاص وبين الرسول عليه الصلاة والسلام حوار لطيف، فقال عمرو بن العاص: (لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فأُبايعك، فبسط يمينه صلى الله عليه وسلم فقبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قال: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟) وأسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه ثم تقدم عثمان بن طلحة رضي الله عنه وأرضاه وأسلم أيضاً.



كيفية إسلام عثمان بن طلحة

بعد أن تحدثنا عن عمرو بن العاص وعن خالد بن الوليد سنتحدث عن عثمان بن طلحة، فـ عثمان بن طلحة رضي الله عنه وأرضاه من بني عبد الدار حامل مفتاح الكعبة، وإسلام عثمان بن طلحة يعتبر إضافة سياسية في منتهى القوة للدولة الإسلامية؛ فهؤلاء هم عمالقة مكة بالفعل، وعظماء مكة: خالد بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن العاص بن وائل، وعثمان بن طلحة العبدري رضي الله عنهم أجمعين،


هؤلاء الثلاثة من أعظم الفرسان في تاريخ مكة جميعاً، فكان هذا هو الحدث الهائل الذي حدث في صفر سنة ثمان، وهو من أعظم آثار الحديبية وعمرة القضاء مطلقاً، وآثار هذا الحدث ما زلنا نجنيها إلى هذه اللحظة، وسنظل نجني في هذه الآثار إلى يوم القيامة، فهذا الحدث هائل لن تدركوا عظمته إلا بدراسة الفتوح الإسلامية، ورؤية الآثار العظيمة التي تركها هؤلاء العمالقة رضي الله عنهم وأرضاهم للإسلام والمسلمين.


في الدرس القادم -إن شاء الله- سوف نتعرف على بداية إسلام هؤلاء العمالقة الثلاثة، وما هو دورهم الفعّال المباشر في خط سير الدولة الإسلامية؟ وما هي أعظم المهمات التي قام بها كل من هؤلاء الثلاثة في تاريخ الإسلام وفي تاريخ الدولة الإسلامية؟ نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. وجزاكم الله خيراً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق