الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 34 - فتح خيبر-7

فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه 
لحصن قلعة الزبير


بعد أن سقط حصن ناعم، ثم سقط حصن الصعب بن معاذ، وفيه وجدوا الكثير من الطعام كما ذكرنا، انتقلوا بعد ذلك إلى حصن قلعة الزبير، وهو الحصن الثالث في المنطقة، وحصن قلعة الزبير من أمنع الحصون في هذه المنطقة، وكما يقول الرواة: لا تقدر عليه الخيل والرجال؛ لأنه فوق قمة جبل، ويصعب الوصول إليه، ففرض الرسول عليه الصلاة والسلام عليه الحصار مدة ثلاثة أيام، ثم ألقى الله عز وجل الرعب في قلب رجل من اليهود، فأتى وتسلل من الحصن، وجاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وطلب الأمان، ثم قال له: يا أبا القاسم! إنك لو أقمت شهراً ما بالوا، إن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك.

يعني: هناك شراب يدخل إلى الحصن عن طريق عيون تدخل من تحت الأرض، وهم في كل ليلة يخرجون دون أن يشعر المسلمون ويأخذون من هذا الشراب، فيقول اليهودي: فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك.

يعني: لو قطعت هذه العيون لا بد أن يخرجوا؛ لأنهم لن يستطيعوا أن يعيشوا بدون ماء، فقطع صلى الله عليه وسلم الماء عن اليهود، فخرجوا وقاتلوا أشد القتال، واستمر القتال فترة من الزمان حتى انتصر المسلمون، وافتتحت قلعة الزبير.

وهذه من أشد المعارك ضراوة في تاريخ المسلمين، فهم عند كل حصن يقاتلون أياماً، ثم يهربون من الحصن إلى الحصن الذي يليه، وهكذا وهذه الحصون مبنية بمهارة عجيبة جداً، فكل حصن متصل بالآخر.
وهكذا انتهى الرسول عليه الصلاة والسلام من فتح الحصون الثلاثة الأولى، التي هي: حصن ناعم، وحصن الصعب بن معاذ، وحصن قلعة الزبير، وكانت في منطقة تسمى النطاة.

وقبل أن ننتقل ونعرف ماذا عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح حصون منطقة النطاة، لا بد أن نقف وقفة ونقول: إن نصر الله سبحانه وتعالى يأتي بعد أن يستنفد المسلمون كل أسباب النصر، وقد لا تؤدي هذه الأسباب إلى النصر بذاتها، بل كثيراً ما يحدث أن يعجز المسلمون بعد بذل الأسباب، ثم يأتي النصر من حيث لا يتوقعون، كما فعل الله عز وجل قبل ذلك في بدر وفي الأحزاب وفي مواطن كثيرة، وجنود الرحمن كثيرون، كما قال سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31].

وأحد جنود الرحمن سبحانه وتعالى في موقعة خيبر كان ذلك اليهودي، وهو ما زال على يهوديته، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف له الطريق الذي به استطاع المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين معه أن يفتحوا هذا الحصن الصعب: قلعة الزبير، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126].


فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته
لحصني أبي والنزار من الشق

بعد هذه الفتوح انتقل اليهود إلى الحصن الذي يليه، الذي هو: حصن قلعة أبي، وهو أحد حصون منطقة الشق، فبعد أن فتحت منطقة النطاة كلها بقيت منطقة الشق وفيها حصنان: أبي، والنزار، ودار قتال عنيف حول قلعة أبي إلى أن فتحت بنفس الطريقة، حصار ثم قتال، ثم هرب اليهود إلى الحصن الذي يليه، الذي هو حصن النزار.

وهذا الحصن الخامس وقف الرسول عليه الصلاة والسلام محاصراً له عدة أيام؛ لأنه كان أمنع الحصون الخمسة، لذلك وضع اليهود في ذلك الحصن الذراري والنساء، وظنوا أنه من المستحيل أن يفتح، ولذلك استمر الحصار فترة طويلة من الزمان بالقياس إلى ما قبله، وما استطاع الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفتح الحصن، فلجأ عليه الصلاة والسلام إلى طريقة جديدة في الحرب، أتى بالمنجنيق، وكان المسلمون قد استولوا عليه من بعض الحصون اليهودية السابقة، يقال: كان في حصن الصعب بن معاذ،

فنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق وبدأ يقصف الحصن بقذائف من بعد، حتى أحدث خللاً في بعض الجدران لهذا الحصن، ومن هذا الخلل تسلل المسلمون إلى داخل الحصن ودار قتال من أعنف أنواع القتال في داخل الحصن، وكتب الله عز وجل النصر للمسلمين، وفتح الحصن العظيم حصن النزار، وهرب منه بقية اليهود إلى حصون المنطقة الأخرى التي اسمها الكتيبة، وتركوا خلفهم النساء والأطفال وكل شيء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق