الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

سلسلة السيرة النبوية د/ راغب السرجاني 34 - فتح خيبر-4

إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم 
الراية في خيبر لعلي رضي الله عنه


بعد أن استقر الجيش الإسلامي في مكانه الجديد، قام صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس وقال لهم: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه).

واضح جداً من هذا الوصف أن من يفتح الله عز وجل على يديه البلاد، ويمكن له في الأرض وينصره على أعدائه لا بد لهذه الشخصية أن تكون محبة لله عز وجل ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن تكون محل حب الله عز وجل وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه الصفة لا تأتي إلا بموافقة تامة للشرع وبصدق كامل في النية، والله عز وجل مطلع على القلوب، ولا يعطي نصره إلا لمن أحب سبحانه وتعالى.

وهذا الأمر ينطبق على كل مراحل التمكين في حياة الأمة الإسلامية، وعلى كل انتصارات الأمة الإسلامية، فأنت إذا رأيت الله عز وجل نصر خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، أو نصر عمرو بن العاص، أو نصر صلاح الدين الأيوبي، أو سيف الدين قطز، أو يوسف بن تاشفين أو أي إنسان مكن له في الأرض ونصر، فاعلم أن هذه علامة من علامات حب الله عز وجل للعبد.

فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قال هذه الكلمات وأصبح في اليوم الثاني جاء الناس جميعاً متشوفين لحمل هذه الراية، فقال صلى الله عليه وسلم: (أين علي بن أبي طالب؟ فقال الناس: يا رسول الله! هو يشتكي عينيه، فأرسل إليه) فسيدنا علي بن أبي طالب كان عنده رمد في عينيه، وكان لا يرى إلا بصعوبة، فهم قالوا: يا رسول الله! إنه مريض به رمد في عينيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أصر على الإتيان بـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فلما جاء وضع صلى الله عليه وسلم من ريقه في عينيه فبرئ علي بن أبي طالب كأن لم يكن به أي مرض، وأعطاه صلى الله عليه وسلم الراية، وكان الجميع يرى أن ظروف علي بن أبي طالب لا تسمح له بالقيادة، ولكن رب العالمين سبحانه وتعالى يسر له ذلك الأمر، فإن كنت صادقاً فسيفتح الله لك أبواب العمل، وأبواب التوفيق إلى عمل، حتى وإن كانت الظروف صعبة والمعوقات كثيرة، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

فأخذ سيدنا علي الراية وقال: (يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟) فقال صلى الله عليه وسلم موضحاً الغاية من الحرب في الإسلام: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيهم، فوالله! لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

يبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن إسلام هؤلاء أحب إليه من أموالهم ومن ديارهم ومن سلطانهم ومن كل شيء، فمع كل التاريخ الأسود لليهود، ومع كل المحاولات المضنية التي بذلوها لاستئصال المسلمين في المدينة المنورة، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما زال إلى هذه اللحظة حريصاً تمام الحرص على إسلامهم وهدايتهم إلى رب العالمين سبحانه وتعالى.



بدء تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
تجاه حصون خيبر بعد إصرار اليهود على الحرب

بدأ الجيش الإسلامي في التحرك باتجاه خيبر، وخرج اليهود كالعادة من حصونهم إلى مزارعهم، وفوجئوا برسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش معه، فقالوا: محمد والخميس.

و (الخميس) يعني: الجيش الكبير، ورجعوا هاربين بسرعة إلى حصونهم، وأغلقوا الأبواب عليهم، وصاح الرسول عليه الصلاة والسلام صيحة عالية سمعها الجيش بكامله وسمعها اليهود، قال صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر! خربت خيبر، الله أكبر! خربت خيبر، الله أكبر! خربت خيبر) قالها ثلاثاً صلى الله عليه وسلم ثم قال: (إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).

فهذه الكلمات كانت آثارها هامة على الجيشين: الجيش الإسلامي، والجيش اليهودي، فهو يذكر المسلمين بأن النصر من عند الله عز وجل، وأن الله عز وجل أكبر من أي عدو، فإن كنتم ترون حصون خيبر وسلاح خيبر وأعداد خيبر أكثر بكثير منكم فاعلموا أن الله عز وجل معنا وهو ناصرنا عليهم، ففيها رفع الروح المعنوية عند المسلمين، وذكر المسلمين بأيام الله عز وجل، ذكرهم ببدر وذكرهم بالأحزاب، وذكرهم بما حدث قبل ذلك من قتال مع اليهود في المواقع الثلاثة التي ذكرناها قبل ذلك.

وهذه الكلمات أيضاً وصلت إلى أسماع اليهود وأوقعت الهزيمة النفسية في قلوبهم.
(الله أكبر! خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).
و (المنذرون) هم اليهود؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بلغهم الرسالة مرات عديدة فأبوا أن يستمعوا إلى كلامه، ثم أعاد عليهم الرسالة على لسان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه كما فصلنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق